من قال إن رهان الغرب على الإرهابيين التكفيريين قد توقف؟ ومن يستطيع التكهن بأن الدور المرسوم والهدف المطلوب قد انتهيا في المنطقة ؟! فالعمل الحثيث مازال مستمراً على قاعدة لعل وعسى تثمر المحاولات الممتدة من أذرع الإرهاب المسمومة، سواء تلك التي صنعتها الأيادي الطابخة، أم تلك التي سوّقتها الدول المؤجرة لتسهيل ذلك الإرهاب وتمويله وتدريبه.. وما تطالعنا به الأخبار اليومية المتلاحقة والمتداولة في جميع الاتجاهات في أروقة القرار الأمريكي- الإسرائيلي لا تنذر إلا بالمزيد من الخطر، وإن بدت براقةً في بعض جملها ومفرداتها، وعلى أي لسان أتت.. وخاصة عندما ينظر لسير وتحرّك دول التآمر، التي اختلفت في السياسة دهراً، لكن الأهداف وحدتها، وأسست لأجندتها الجديدة.
والمتابع لما باتت تخطّ فيه الأطراف المتآمرة سيناريوهاتها المحدثة بما يتناسب مع تقلبات الميدان والمتحولات المنبثقة عنه، يدرك ماهية زيارات وحفاوة الاستقبالات السلطانية بين مملكة الرمال وتركيا، مع معرفة الأولى، للجعبة المخبأة في السلة العثمانية، التي التقت مع مافي جعبة تلك المملكة الوهابية في الآن نفسه، على مشروع «إسرائيل» في المنطقة، موضوع ومخطط سلفاً، ولم يعد يخفى على أحد، إضافة للدور المنوط بآل سعود والممتد على جغرافية المحيط انطلاقاً من باب المندب حتى آخر المعابر البحرية من سيناء وغيرها.. مع تلك الامتدادات إلى دول المنطقة.
تلاقي الرغبات والأهداف ليس هو المهم في الأطراف الإقليمية (من الأدوات) لأنه ليس حديث العهد في الرؤية الاستعمارية الصهيونية الراعية لكل ذلك، وإنما المهم في هذا هو الفاتورة المدفوعة في سيناريوهات التخريب المتعمّد ومحاولات التجزئة والتفتيت الحاصلة على بنية المنطقة الحضارية والانتقام الذي تثأر به «إسرائيل» اليوم من كل مامضى على مرّ التاريخ، بجهود هؤلاء التوابع من العملاء والأجراء الذين يقتاتون على فتات المائدة الصهيونية.
فالأهداف المعلنة، صارت تحت المجهر الشعبي العربي الذي بات يعرف تماماً أن فترة حضانة التخطيط انتهت، وانتقلت إلى مرحلة التنفيذ الذي غرز معوله في قلب الهوية العربية لتمزيقها، ومحو الحضارة عن عهودها المتراكمة أصالةً وعراقةً.
وما الاحتفاء الإسرائيلي الكبير بما يحدث للمنطقة إلا جزء مما نسيناه من محاولات التثبيت اليائسة لما سموه «أرض الميعاد» زوراً وبهتاناً، وبما يقوم الإرهاب ورعاته من اصطفافات لا تبعد شبح الطائفية البغيضة عن الأذهان في لعبة الهدم الحضاري الممنهج الذي مازالت تلك العصابات الإرهابية تنفذ فيه ما رسم لها على أكمل وجه.
مدن أثرية كاملة تختفي عن سطوح وجودها الموغل في القدم، والتي كانت تعطي عنوان هذه الأرض، ومحيط المنطقة، في الوقت الذي أدار فيه القانون الدولي ظهره، وبكل منظماته الحقوقية والإنسانية والثقافية، لما هو متبع من تخريب وهدم و محو حضارة.. فيما يبدو أنه يظهر بين الأهداف الموضوعة ذاتها التي تعول الصهيونية العالمية عليها في إطار الانطلاق في الأحلام التلمودية باستبدال الهويات المعنونة للتاريخ الحديث.
وتالياً، مَنْ هو القادر حالياً على فك رموز الشيفرة الصهيونية الطامعة باستبدال هوية المنطقة، وفق تلمودها وأحلامها بالثأر من لغة الأرض العربية، إلا من أخذ على عاتقه حماية هذه الأرض عبر دعوة جيوش الثقافة العربية إن كانت مازالت باقية إلى مساندة الجيش العربي السوري في محاربة مآرب «إسرائيل» وإسقاطها، من خلال ما يستطيع أن يقدمه الأبناء والأشقاء والأصدقاء في ميدان الثقافة والوقوف بكل القوة والعزيمة أمام ما يراد من طمس وهدم لحضارتنا، فخرنا القومي والأزلي، وزادنا العلمي والعنوان الحقيقي لبقائنا في هذه المنطقة.
إذ لا بدّ من إيقاف هذا المدّ السرطاني واستئصاله قبل أن يستأصل كينونة المنطقة الحضارية في الوقت الذي مازال فيه الأشباه ممن يدّعون الثقافة والمعارضة يتصدّرون ممارسة لعبة البقاء الصوتي على الشاشات تحت الجناح الإسرائيلي الحالم بصناعة السيناريوهات متبدلة الاتجاهات.. حيث بوصلة التلمود بالنتيجة؟!
(المصدر: صحيفة تشرين السورية بتاريخ 18/03/2015)