العلاقات السورية الرومانية
ترتبط سورية ورومانيا بعلاقات تاريخية قديمة تمتد إلى عقود طويلة من الزمن حافلة بالتعاون المشترك والاحترام المتبادل، تم تأسيسها رسميا منذ خمسينات القرن الماضي حيث بدأت العلاقات الدبلوماسية بين سورية ورومانيا بتاريخ 9-8-1955على مستوى بعثة دبلوماسية، ثم ارتقت الى مستوى سفارة بتاريخ 10-10-1960.
ويجمع البلدين جملة من روابط الصداقة والتعاون في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والتربوية والاقتصادية والسياسية، تخللها الكثير من الزيارات المتبادلة بين الجانبين ومن مختلف المستويات وأرفعها، وصولاً لقمة الهرم في قيادة البلدين وزيارة السيدين الرئيسين السوري لبوخارست والروماني لدمشق، وتوقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بقطاعات عديدة من التعاون الاقتصادي والعلمي وميادين الإعلام والثقافة والصحة والسياحة والنقل والطاقة والزراعة والري والأشغال العامة والتعاون القضائي والاستثمارات المشتركة ..الخ، وقد كان لهذه الاتفاقيات والزيارات دور كبير في تطوير واستمرارية هذه العلاقات بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين.
وقد شهدت العلاقات السورية الرومانية تطورا ملحوظا ونمواً مطرداً خلال العقود الماضية، قياسا مع غيرها من الدول، حيث كان لرومانيا دور مهم بعملية التنمية والنهضة في البنى التحتية التي جرت في سورية، لا سيما في مجالات الصناعة والطاقة والزراعة والري والتعليم ، وخصوصا من خلال عشرات الآلاف من الطلبة السوريين الذين درسوا وتخرجوا من الجامعات الرومانية، وساهموا في النهضة السورية، وتبوأت أعداد منهم مراكز قيادية في الدولة بمختلف المجالات ، ولا ننسى بهذا المجال بأن أعداداً كبيرة من هؤلاء الطلاب السوريين تزوجوا من مواطنات رومانيات، وكونوا أسراً مشتركة حملت الجنسيتين السورية والرومانية، وأن أعداداً أخرى بقيت في رومانيا وأصبحوا رجال أعمال وأصحاب شركات ساهموا بالمقابل بالنهضة الرومانية، الأمر الذي ساهم في تعزيز العلاقات وزيادة التعاون والاندماج الثقافي والاجتماعي بين الشعبين السوري والروماني، لا يمكن أن تتوقف عجلتها.
وسورية ماضية بالمحافظة على علاقاتها مع رومانيا، كما أن رومانيا بدورها مستمرة بالمحافظة على علاقاتها مع سورية، وهذا ما تترجمه من خلال مواقفها الإيجابية حيال الأزمة السورية رغم الضغوطات التي تتعرض لها من بعض الدول الأوربية والغربية نتيجة لهذه المواقف، حيث كان لرومانيا ومنذ بداية الاحداث الجارية في سورية وحتى الآن موقف ثابت يتسم بالإيجابية والعقلانية والاعتدال والحكمة، والدعوة إلى إنهاء الأزمة السورية عبر الحل السياسي والحوار السوري – السوري، واستمرت رومانيا بمواقفها السياسية الثابتة، ونهجها الإيجابي المعتدل الذي تبنته تجاه سورية وما يدور فيها من أحداث، وما تتعرض له من إرهاب، مؤكدة على بقاء العلاقات مع سورية وبشكل خاص الدبلوماسية منها كاملة بين البلدين.
مع الأخذ بعين الاعتبار بأن المواقف الرومانية تنطلق أساسا من حرصها على المصالح التاريخية المشتركة التي تربطها بسورية وبدول المنطقة، ومن حرصها أيضا على المصلحة الوطنية العليا لرومانيا، من خلال استقرار الوضع في سورية والمنطقة لأن عدم الاستقرار السياسي في سورية والمنطقة ربما يولد لرومانيا مشكلات، لاسيما ما يتعلق منها بالعلاقات الاقتصادية والتبادلات التجارية، وما ينتج عن ذلك من منعكسات وتأثير على الجالية الرومانية في سورية التي يقدر عددها بالآلاف.
ولعبت سفارة الجمهورية العربية السورية في رومانيا دورا بارزا خلال السنوات الأخيرة ولغاية الآن، في تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين سورية ورومانيا والمحافظة على استمراريتها، وخصوصا خلال فترة الأزمة السورية، وكان لها صدى إيجابيا في هذه المواقف الرومانية الإيجابية من سورية.
وتجدر الإشارة هنا بأن العلاقات السورية الرومانية، ما كان لها أن تدوم وتستمر لولا وجود رغبة وإرادة مشتركة لدى الجانبين، ومن أعلى المستويات.
وبهذا المجال فقد كان للزيارة التاريخية التي قام بها السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة عقيلته أسماء الأسد إلى رومانيا في العام 2010 الدور الأبرز في تعميق هذه العلاقات والمحافظة عليها واستمرارها، وهذا ما عمل من أجله البلدان طيلة مسار هذه العلاقات، كما لعب الرئيس الروماني السابق السيد ترايان باسيسكو دوراً كبيراً في المحافظة على هذه العلاقات واستمراريتها أيضا قبل الأزمة السورية وخلال فترة الأحداث التي عصفت بسورية، وقد عبر عن أهمية هذه العلاقات وعن موقف رومانيا من سورية ، قائلا: بأن رومانيا تقدر العلاقات الرومانية السورية وتعمل على استمرارها ،وقد حافظت على علاقاتها الرسمية مع الحكومة السورية، ونحن لم نقطع اتصالاتنا مع القيادة السورية خلال الأزمة السورية والتي كان للسفارة السورية في بوخارست دورا فاعلا بهذا المجال ، وأكد وقوف بلاده إلى جانب سورية في مواجهة التطرف والإرهاب ، وباستمرار قيام بلاده بدور فعال لإيصال حقيقة ما يجري في سورية بشكل خاص ، وفي المنطقة عامة إلى الرأي العام في أوروبا ، وكان يصرح في أغلب لقاءاته بأن رومانيا دعمت سورية منذ اندلاع الأحداث فيها ، وأطلقت الصوت عاليا من أجل إنهاء الأزمة فيها بالطرق السياسية السلمية، كما وأطلقت الصوت عاليا إلى محاربة الجهاديين والإرهابيين وإلى وقف تمويلهم وعدم دعمهم ، معتبرا ذلك هو مصلحة لرومانيا وللمواطنين الرومان الموجودين في سوريا من جهة، ولسورية للشعب السوري من جهة أخرى، وكان يؤكد وبشكل ثابت مواقف رومانيا تجاه سورية وأزمتها المتمثلة بضرورة مواصلة الجهود الدولية ، وإيجاد الحلول السياسية لإنهاء الازمة السورية بالطرق السلمية والحوار بين السوريين لإعادة السلام والأمن والاستقرار إلى سورية.
كما أن الرئيس الروماني الحالي السيد كلاوس يوهانيس ، الذي تولى رئاسة الدولة منذ نهاية عام 2014 ، والذي يعمل بهدوء وصمت ورصانة وحكمة، وينظر إلى السياسة الخارجية من منطلق الأمن الوطني لرومانيا ، لقد سلك نفس الأسلوب والخط السياسي الذي سلكه سلفه الرئيس باسيسكو ، من حيث الاستمرارية بالمواقف الإيجابية المعتدلة تجاه الأزمة السورية، ولم تصدر عن الرئيس السيد يوهانيس أية مواقف تتناقض مع الموقف الروماني المتخذ تجاه الأزمة السورية منذ توليه رئاسة الدولة ،حيث الموقف الروماني يتمثل بأن إنهاء الأزمة في سورية، لا يتم إلا من خلال الحل السياسي القائم على الحوار بين كافة أطياف المجتمع السوري .
ومن هنا ولكل ما سبق ذكره، فرومانيا تحظى بمكانة كبيرة في سورية وباحترام وتقدير ومحبة كبيرة لدى الشعب السوري وقيادته، بالنظر إلى العلاقات التاريخية والمواقف الإيجابية تجاه سورية، وإننا في سورية قيادة وشعباً، وفي سفارة الجمهورية العربية السورية التي تمثل بلدنا سورية في رومانيا نقدر عالياً هذه العلاقات وهذه المواقف الرومانية، ونؤكد على استمرارية علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين والعمل على تعزيزها.
كما أن الشعب السوري وقيادته لن ينسوا المواقف الرومانية الإيجابية الناتجة عن هذه العلاقات تجاه سورية منذ بداية الأزمة في العام 2011 وحتى الآن، لاسيما لجهة استمرارية العلاقات الدبلوماسية كاملة بين البلدين، والتي تجسدت باستمرار بقاء السفارتين الرومانية في دمشق والسورية في بوخارست واستمرار عملهما، رغم الضغوطات الكبيرة التي مورست على رومانيا ، حيث كل هذا كان محط تقدير كبير لدى الشعب السوري والقيادة السورية وعلى رأسها السيد الرئيس بشار الأسد، الذي وجه بأن تكون الأولوية لرومانيا والتشيك في إعادة إعمار سورية بعد انتهاء الأزمة فيها.
كما اتخذت رومانيا موقفاً متميزاً ومغايراً لمواقف العديد من الدول الأوروبية والغربية من الأحداث في سورية، رغم انضمامها لمجموعة ما يسمى” أصدقاء سورية” ومشاركتها في ثلاث اجتماعات لهذه المجموعة في بداية تشكيلها، ثم عزفت عن هذه المشاركة، ومواقفها هذه انطلقت أساساً من حرصها على مصالحها التاريخية التي تربطها مع سورية ومع دول المنطقة. وقد كان موقف الرئيس باسيسكو حاسماً خلال فترة الهجمة الشرسة ضد سورية. حيث أعلن باسيسكو عن موقفه، بعد أن ادعت الدول المعادية لسورية بأنها استخدمت الأسلحة الكيمياوية بقوله” ستكون رومانيا شريكاً سياسياً لحلفائها فيما يتعلق بالملف السوري ولكن إذا تم اختيار الحل العسكري فإن رومانيا لن تشارك فيه. إن استخدام الحل العسكري ينطوي على مخاطر كبيرة. منها ردود الفعل العسكرية من جانب دمشق، إلى جانب خطورة تصعيد الصراع وامتداده إلى نزاع إقليمي، ولهذه الأسباب يجب تجنب النزاع العسكري لإن الوضع في سورية لا يحتاج إلى حل عسكري وإنما يتطلب حلاً سياسياً سلمياً”.
وقال :” إن رومانيا من بين الدول التي تدعم بدون أي تحفظ ضرورة حل المشاكل من هذا النوع ضمن مجلس الأمن وليس من خلال قوة السلاح وبالتالي علينا كدول في الاتحاد الأوروبي والناتو أن نصل إلى مستوى من الحكمة بألا نحاول تطبيق نماذج أنظمتنا الديمقراطية على الأمة العربية التي لديها قيم ثقافية وتاريخية وتقاليد مختلفة ، مع اليقين بأن هناك دول عربية قد برهنت على أنها تستطيع الانتقال إلى نظام ديمقراطي ، لكن الفرض القمعي مثل ما حدث في العراق على سبيل المثال ، أو في مصر يبين لنا أن التكيف السريع مع نظام ديمقراطي من النمط الأوروبي أو الأمريكي من الصعب أن يطبق على هذه الشعوب ، لأن لديها قيم ثقافية مختلفة عن الأوروبيين .”
وهذا ما كان يردده باسيسكو خلال لقاءاته مع قادة الاتحاد الأوروبي وغيرهم ومع زواره وقت ذلك.
وخلال لقاءه مع غبطة البطريرك يوحنا العاشر يازجي بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق بتاريخ 28/11/2014 أكد على موقف بلاده من الأزمة السورية وأعرب عن قلق رومانيا تجاه الأزمة التي تعصف بسورية، والتي فقد فيها عدد كبير من المدنيين حياتهم بسبب العنف والاضطهاد الديني، كما أعرب عن تضامنه مع سورية، مشيراً إلى أهمية التعاون بين الدولة والكنيسة من أجل إيجاد حلول سياسية لضمان السلام عبر الحوار بين المجتمعات التي تتكون من ثقافات وديانات مختلفة من خلال روح التسامح والاحترام.
وأشار الرئيس الروماني باسيسكو إلى أن رومانيا حافظت على علاقاتها الرسمية مع الحكومة السورية. قائلاً: “نحن لم نقطع اتصالاتنا مع القيادة السورية خلال الأزمة السورية. مؤكداً وقوف بلاده إلى جانب سورية في مواجهة التطرف والإرهاب.” وتعهد الرئيس باسيسكو خلال اللقاء باستمرار قيام بلاده بدور فعال في إيصال حقيقة ما يجري في المنطقة عامة وسورية بشكل خاص إلى الرأي العام في أوروبا. وأشار أيضاً إلى أن رومانيا دعمت سورية منذ اندلاع الأحداث فيها. وأطلقت الصوت عاليا من أجل عدم دعم الجهاديين والإرهابيين. وفي هذا الأمر مصلحة للمواطنين الرومان الموجودين في سوريا من جهة وللشعب السوري عامة. كما أكد على ضرورة مواصلة الجهود الدولية الحالية، وإيجاد الحلول السياسية لإعادة السلام والأمن والاستقرار إلى سورية.
وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية الروماني الأسبق (تيتوس كورلاتسيان ) في الكلمة التي ألقاها بتاريخ 27/8/2014 بمناسبة الاجتماع السنوي للدبلوماسية الرومانية أثناء حديثه عن سورية حيث أشار إلى زيادة ظاهرة التطرف والإرهاب في سورية ، وقال إن ظاهرة الجهاديين باتت تشكل خطراً على أوروبا عند عودتهم وهم أكثر تدريباً . وقال إن إزالة الأسلحة الكيمياوية من سورية مسألة هامة.
فقد كان لرومانيا ومنذ بداية الأحداث الجارية في سورية موقفاً ثابتاً إيجابياً ومعتدلاً يتسم بالعقلانية والحكمة إزاء كل ما يجري فيها، والدعوة إلى اعتماد الحل السياسي للأزمة السورية طريقاً وحيداً لإنهائها عبر الحوار السوري – السوري، واستمرت رومانيا في نهجها وخطها السياسي الإيجابي المعتدل تجاه سورية الذي تبنته منذ بداية الأحداث وحتى الآن