أكد الصحفي الأمريكي سيمور هيرش أن الإدارة الأمريكية ضللت العالم بعدما “حرفت تقارير استخباراتية” واختلقت أدلة افتراضية واستنتاجات لتبني عليها اتهاما تشن على أساسه عدوانا عسكريا على سورية ملفقة التهم للجيش العربي السوري بالمسؤولية عن الهجوم الكيميائي بالغوطة الشرقية في الواحد والعشرين من آب الماضي.
وأوضح هيرش في تحقيق مطول نشرته مجلة (لندن ريفيو أوف بوكس) الأحد الماضي: أن الإدارة الأمريكية “أخفت عن العالم معلومات خطيرة” تفيد بأن المجموعات الإرهابية المتطرفة في سورية ولا سيما “جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة باتت قادرة على إنتاج واستخدام غازي السارين والأعصاب” والتعامل معهما بشكل كامل.
ونقل هيرش عن مستشار رفيع المستوى في الاستخبارات قوله في أواخر أيار “أن وكالة الاستخبارات الأمريكية قدمت ملخصا إلى إدارة أوباما عن جبهة النصرة وعملها مع السارين وانها أرسلت تقارير اخرى تحذر فيها من أن لدى جماعات متشددة أخرى ناشطة في سورية وتنظيم القاعدة في العراق معرفة بكيفية إنتاج السارين” وفي ذلك الوقت كانت جماعات النصرة تعمل في مناطق قريبة من دمشق ضمنها الغوطة الشرقية.
وبين هيرش أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يقل كل الحقيقة عندما كان يحاول بأي ثمن أن يحمل الجيش السوري مسؤولية الهجوم بالأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية فإدارته “تعمدت تجاهل وإغفال معلومات استخباراتية مهمة مقدما افتراضات واستنتاجات بنى عليها اتهامه وحاول دعم افتراضه بأدلة مختلقة أو محرفة عن سياقها الطبيعي”.
وكشف هيرش أنه في الأشهر التي سبقت الهجوم الكيميائي أكدت وكالات الاستخبارات الأمريكية استنادا إلى سلسلة من التقارير السرية للغاية أن “جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة الارهابي أصبحت تملك طريقة صنع السارين وأنها قادرة على تصنيع كميات منه” لافتا الى أنه بعد وقوع الهجوم كان ينبغي أن يتم النظر إلى النصرة كمشتبه به لكن الإدارة الأمريكية انتقت من معلومات الاستخبارات ما يناسبها لتبرير عدوان عسكري على سورية.
وبين هيرش أن “أوباما لم يكن يعلم من استخدم السلاح الكيميائي بل كان ذاهباً إلى الحرب ويحتاج لما يدعم تهديده العلني بشنها” مشيرا إلى أنه “لمس بعد مقابلات له مع مسؤولين في الاستخبارات والجيش ومع مستشارين حاليين وسابقين في إدارة أوباما قلقاً شديداً لديهم وفي إحدى الحالات وجد غضباً بشأن ما اعتبروه تلاعباً متعمداً بالاستخبارات”.
ولفت هيرش إلى أن “مسؤولا رفيعا في الاستخبارات الأمريكية وصف في رسالة الكترونية إلى أحد زملائه تأكيد الإدارة أن الجيش السوري يتحمل المسؤولية بأنه خدعة” مؤكدا أن الهجوم لم يكن صنيعة الجيش.
ونقل هيرش عن مسؤول سابق رفيع المستوى في الاستخبارات الأمريكية قوله “إن إدارة أوباما عدلت المعلومات المتوافرة من ناحية التوقيت والسياق من أجل السماح للرئيس اوباما ومستشاريه بإظهار أن معلومات الاستخبارات بعد أيام من الهجوم تبدو وكأنها حصلت وقت وقوع الهجوم” مشيرا الى ان هذا “التحريف يذكر بحادث خليج تونكين الواقع بين الصين وفيتنام عام 1964 عندما قامت إدارة جونسون بعكس تقرير لوكالة الاستخبارات من اجل تبرير عمليات القصف الأولي لشمال فيتنام”.
وأوضح المسؤول رفيع المستوى أن استخبارات الجيش الأمريكي تقوم منذ سنوات بتقديم ملخص استخباراتي سري جدا صباح كل يوم إلى وزير الدفاع ورئيس الأركان كما أن نسخة منه تذهب الى مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض ومدير الاستخبارات القومية.
وأكد هيرش أن “مستشارا رفيع المستوى في الاستخبارات الأمريكية كشف له عن قيامه بعد حادثة الهجوم الكيميائي بمراجعة جميع التقارير والملخصات الاستخباراتية الصادرة بين 20 إلى 23 آب وخلال يومي 20 و21 آب فلم يجد ذكرا لسورية فيها موضحا أنه في 22 آب كان الموضوع الرئيسي عن مصر وكان هناك تقرير عن تغيير داخلي في قيادة إحدى المجموعات المسلحة في سورية دون ان تتم الإشارة أبدا إلى استخدام غاز الأعصاب في ريف دمشق في ذلك اليوم.. لكن موضوع استخدام السارين أصبح القضية الرئيسية في 23 آب بالرغم من انتشار مئات الصور والأفلام عن الهجوم بعد ساعات على مواقع التواصل الاجتماعي يوتيوب وفيسبوك وفي هذه المرحلة فإن الإدارة الامريكية لم تكن تعرف أكثر من الجمهور.
وأضاف هيرش نقلا عن تقرير لـ واشنطن بوست أن المعلومات المتوافرة تفيد بأن نظام المراقبة الفضائية التابع لمكتب الاستكشاف القومي وهو الوكالة التي تتحكم بأقمار التجسس في المدار لم يسجل أي معلومات حول “أي تغيير في حالة الأسلحة الكيميائية السورية” رغم دقة هذا النظام وتزويده بتقنيات متطورة جدا.
وبين هيرش أن مسؤول استخبارات سابقا أخبره “أنه على معرفة بهذا البرنامج المخصص لتقديم معلومات فورية عن أي تحريك للأسلحة الكيميائية” مشيرا ايضا الى أن أجهزة الاستخبارات الامريكية والإسرائيلية تمتلك أجهزة استشعار متطورة ترسل إشارات إنذار عندما يتم تركيب رؤوس صواريخ محملة بالسارين ومع ذلك فإنها لم تتلق أي معلومات بهذا الشأن ما يؤكد عدم حصول شيء من هذا القبيل.
وكانت تقارير روسية محترفة أكدت أن الصاروخ الذي أطلق على الغوطة الشرقية بدائي الصنع وأنه خرج من مواقع توجد فيها المعارضة المسلحة.
وألمح مسؤول الاستخبارات الأمريكي الى ان ما يعزز الشكوك بالاتهامات الأمريكية للجيش السوري أنها جاءت بعد ثلاثة أيام من الهجوم موضحا ان آلية نظام الإنذار غير مخصصة لهذا الغرض بل تهدف للحصول على “معلومات فورية مثل نظام الهجوم الجوي أو الحريق” موضحا ان أجهزة الاستشعار لم تتلق أي حركة في الأشهر والأيام التي سبقت 21 آب ولكن عدم حصول إنذار يعني أنه لم يكن بمقدور واشنطن مراقبة الأحداث في الغوطة الشرقية كما تدعي.
ولفت هيرش الى أن البيت الأبيض احتاج إلى تسعة أيام لفبركة قضية ضد الحكومة السورية ففي 30 آب دعا البيت الأبيض مجموعة منتقاة من الصحفيين في واشنطن وسلمهم تقريرا كتب عليه تقييم الحكومة عوضا عن تقييم مجمع الاستخبارات وكان التقرير عبارة عن خلاصة سياسية لدعم قضية الإدارة ضد الحكومة السورية لكنه كان على الأقل أكثر تحديدا من أوباما في خطابه في 10 أيلول عندما أشار إلى أن “الاستخبارات الأمريكية عرفت أن سورية بدأت تحضير الذخيرة الكيميائية قبل ثلاثة أيام من الهجوم”.
وأوضح هيرش أنه عندما قال أوباما إن الإدارة الأمريكية عرفت مسبقا أن عناصر متخصصة بالأسلحة الكيميائية قامت بالتحضير للهجوم فإنه لم يكن يعتمد على ما قيل في وقتها إنها “اتصالات تم اعتراضها وقت حصول الهجوم” ولم يتحدث تقييم البيت الأبيض وخطاب أوباما عن الأحداث التي قادت إلى هجوم 21 آب ولكنهما تضمنا وصفاً لسلسلة الأحداث بعد تدريبات أجراها الجيش السوري على هجوم كيميائي.
وقال المسؤول الاستخباراتي السابق لهيرش “لقد قاموا بتركيب قصة قديمة وهناك الكثير من القطع والأجزاء المختلقة.. إن القطع التي استخدموها تعود إلى كانون الأول الماضي”.
واستند هيرش في تحليله الى البروفسور في التكنولوجيا والأمن القومي تيودور بوستول بعد معاينة صور الأمم المتحدة من موقع الهجوم في الغوطة بان الصواريخ المستخدمة في الهجوم مصنعة محلياً وهي لا تلائم الصواريخ المشابهة والأصغر حجماً التي يملكها الجيش السوري الأمر الذي يؤكد التفسير الروسي للحادثة.
وأضاف هيرش.. صدر تقرير للاستخبارات الأميركية منتصف الصيف يتحدث عن خبير عراقي في الأسلحة الكيميائية خدم سابقا في الجيش العراقي قيل إنه انتقل إلى سورية والتحق بالمعارضة وكان يعمل في الغوطة الشرقية.
ونقل هيرش عن المستشار “إن الخبير العراقي الذي يعرف بأنه رجل النصرة معروف بأنه يصنع غاز الخردل في العراق وهو خبير في صنع السارين واستخدامه وصنفه الجيش الأميركي على انه هدف رفيع المستوى”.
وأضاف هيرش: في 20 حزيران تم تحويل برقية سرية من أربع صفحات إلى نائب مدير مكتب الاستخبارات في وزارة الدفاع ديفيد شيد حول ما تمت معرفته عن قدرة النصرة على صنع غاز الأعصاب موضحا أن البرقية لا تتحدث عما إذا كان الجيش السوري أو المسلحون قد شنوا الهجمات في آذار ونيسان لكنها تؤكد التقارير السابقة حول قدرة النصرة على الحصول على السارين واستخدامه.
وتوصل هيرش في ختام تحقيقه إلى مفارقة تثير الدهشة مفادها أنه مع شروع سورية بإزالة الأسلحة الكيميائية فقد نصل في نهاية المطاف إلى مرحلة تصبح فيها النصرة الجهة الوحيدة التي تملك القدرة على تصنيع واستخدام الأسلحة الكيميائية في سورية..
(المصدر: وكالة سانا للأنباء “Sana” بتاريخ 11/12/2013)