أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري أن ألازمة الإنسانية العاصفة التي تمر بها سورية لم تكن من صنع الكوارث الطبيعية ولا بفعل التغير المناخي بل حصلت بتآمر سياسي تدخلي خارجي فاضح استهدف الإنسان والمجتمع والاقتصاد السوري وذلك باستخدام أدوات شيطانية لنشر أبشع مظاهر الإرهاب الدولي الذي لم يتورع مخططوه عن استعمال تعاليم الدين الإسلامي وتزييفها وتقديمها للمغرر بهم على أنها “جهاد” كسلاح تخريبي لتقويض الدولة والاستقرار والأمن في سورية.
وقال الجعفري في كلمة له أمس خلال الجلسة الرسمية التي عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في إطار البند رقم 70 المعنون “تعزيز تنسيق المساعدة الإنسانية والمساعدة الغوثية التي تقدمها الأمم المتحدة في حالات الكوارث بما في ذلك المساعدة الاقتصادية الخاصة”: إن الحديث عن تنسيق المساعدات الإنسانية في سورية لايمكن أن يستقيم في ظل إغفال الدور التخريبي للمجموعات الإرهابية المسلحة التي تستقدم من قبل أجهزة استخبارات دول معروفة وتدخل إلى سورية عبر حدود الدول المجاورة لتنشر الإرهاب والعنف وتسطو على قوافل المساعدات الإنسانية الوطنية أو التي تقدمها المنظمات الدولية و”اوتشا” وتعيق وصولها إلى المحتاجين وتدمر وسائل معيشة المواطنين السوريين من بنى تحتية ومحاصيل زراعية ومواد غذائية ومصادر طاقة ومشاف ومدارس ودور عبادة وشبكة مواصلات.
وأضاف مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة إن هذه المجموعات المسلحة لم تكن لتستطيع القيام بهذا الدور لولا الدعم الكبير الذي توفره لها أنظمة دول أعضاء بعينها تتفاخر علنا بتقديم هذا الدعم التخريبي الإرهابي وعلى وجه الخصوص أنظمة الحكم في السعودية وقطر وتركيا.
وتابع الجعفري إنه في الوقت الذي تتباكى فيه هذه الأنظمة على أوضاع السوريين الإنسانية وتعمل على تقديم مشاريع قرارات تستنهض فيها همة الدول الأعضاء لاستعداء الحكومة السورية أو لتقديم التبرعات الإنسانية للسوريين على حد قولهم فإن تلك الأنظمة ترفض هي نفسها تقديم أي مساعدات إنسانية أو أي تمويل لنشاطات الأمم المتحدة في هذا الصدد بل هي تقدم بسخاء مليارات الدولارات لتمويل وتسليح وتدريب المجموعات الإرهابية المسلحة العابرة للحدود التي يتبع بعضها لتنظيم القاعدة لا بل تفتح حدودها المشتركة مع سورية على مصراعيها لإدخال الإرهابيين والأسلحة إلى سورية والعراق ودول عربية أخرى.
وبين الجعفري أن المجموعات الإرهابية التكفيرية الممولة خليجيا قامت بذبح مئات السوريين في مدينة عدرا العمالية التي تقع بين دمشق وحمص وهي ذاتها كانت قد ذبحت المئات غيرهم في دير عطية وقارة ومعلولا منذ بداية الأسبوع.
وأكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة أنه من المخجل والفاضح أن تواصل أنظمة تلك الدول تمويل ودعم هذا الإرهاب المنظم ذي الصبغة الطائفية والذي يمتهن قتل الناس على أساس انتمائهم الطائفي وكل ذلك يجري في وقت تعرف فيه جميع الدول الأعضاء في المنظمة الدولية أن الأمم المتحدة قد أدانت جرائم الإبادة أيا كان نوعها في العشرات من قراراتها ذات الصلة.
وتساءل الجعفري.. هل يمكن لأحد من الضالعين في الأمور الإنسانية في هذه المنظمة الدولية أن يشرح لنا كيف يمكن أن تدعي أنظمة الحكم في السعودية وقطر وتركيا أنها تتألم للوضع الإنساني للسوريين في حين أنها نفسها تستجلب إلى سورية إرهابيين تكفيريين من السعودية واليمن وليبيا وتونس ومصر وتركيا والشيشان والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وكندا وبلجيكا وبريطانيا وهولندا وفرنسا لترويع الشعب السوري بجرائمهم المقززة.
وأشار مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة إلى مقال نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية بتاريخ الثامن من الشهر الجاري تحت عنوان “أصدقاؤنا السعوديون هم من يمولون عمليات القتل الجماعي في الشرق الأوسط” متسائلا .. هل يمكن لأحد أن يشرح لنا كيف يدعي النظام السعودي الحرص على مساعدة الشعب السوري في الوقت الذي لم يسمح به لأي مواطن سوري منذ بداية الأزمة بالدخول إلى الأراضي السعودية ولو بصفة لاجئ كما لم يسمح للسوريين بأداء شعائر الحج هذا العام وذلك للمرة الأولى منذ بداية الإسلام كدين سماوي منذ 1434 سنة.
وقال الجعفري: من المحزن فعلا أنه على الرغم من كل ما سبق ما زال يحلو للبعض في هذه المنظمة الدولية أن يضفي على تلك المجموعات التكفيرية الإرهابية التي تمولها السعودية وقطر وتركيا صفة المعارضة أو يسميها “المعارضة” علما أنها مدرجة على قائمة الإرهاب في مجلس الأمن.
وأكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة أنه لا يمكن الحديث عن تلبية الاحتياجات الإنسانية في سورية دون التطرق لما تتعرض له الحكومة السورية من ضغوط سياسية واقتصادية وإعلامية هائلة وأهمها التدابير القسرية الاقتصادية الأحادية الجانب المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية على الشعب السوري منذ بدء الأزمة.
وأوضح الجعفري أن تلك التدابير القسرية تستمر في خلق معوقات وصعوبات جمة أمام الحكومة في توفير المستلزمات الأساسية لا سيما في قطاعات الصحة والكهرباء وفتح الاعتمادات المصرفية لتوريد الدواء والتجهيزات الطبية وما يترتب على ذلك من مصاعب وتحديات فنية وإدارية ومالية ساهمت في تدهور الوضع الصحي وانتشار بعض الأمراض المنتقلة إلى سورية من الخارج مثل شلل الأطفال إضافة إلى عرقلة تأمين الاحتياجات المعيشية الأساسية للمواطنين السوريين من خلال ارتفاع كلف التأمين الخارجي على الشحن إلى سورية وإيقاف العديد من رحلات شركات الطيران العالمية إلى المطارات السورية في إطار الحرب والضغط والحصار على سورية وبالتالي مفاقمة الأوضاع الإنسانية الصعبة في جميع المناطق بهدف دفع السوريين إلى اللجوء إلى الدول المجاورة والنزوح عن مناطق عيشهم داخل البلاد لخلق ضغوط إضافية على الحكومة ومواردها ومن ثم التشهير بالحكومة السورية بأنها لا تقوم بما يكفي لمساعدة شعبها في المضمار الإنساني الأمر الذي يستدعي في عقول من يروج لتلك الأشياء استدعاء التدخل الخارجي أي تسييس المسائل الإنسانية وهو ما يجري بالضبط اليوم.
وبين الجعفري أن حيزا كبيرا من الأزمة الإنسانية في سورية مصطنع ومفبرك لدواع سياسية غرضها ممارسة الضغط على الحكومة السورية وشيطنة صورتها لدى الرأي العام العالمي.
وأشار مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة إلى إن الحكومة السورية ورغم كل الصعوبات والضغوط التي تمارس بشكل جماعي على سورية دولة وشعبا استمرت منذ بداية الأزمة في تحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها وبذل الجهود الخاصة بتقديم المساعدات الإنسانية لهم جميعا دون تمييز اضافة إلى استمرارها في تقديم شتى أشكال التعاون والتنسيق مع المنظمات الأممية والدولية والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية المعتمدة في سورية.
ولفت الجعفري إلى أن الحكومة السورية تعمل بشكل مستمر على تطوير آليات التعاون والتنسيق مع (أوتشا) وتحديثها بغية تسهيل الإجراءات الرامية لتقديم المساعدات الإنسانية بالتعاون مع المنظمات الدولية وذلك في إطار خطة الاستجابة الإنسانية وبهدف التعاطي بفاعلية وواقعية وإيجابية مع الاثار الإنسانية الناجمة عن الأحداث الراهنة.
وأوضح مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة أن الحكومة السورية اتخذت في هذا السياق مؤخرا عدة تدابير في إطار تنفيذ البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ الثاني من تشرين الأول الماضي وقد شرحت الحكومة السورية هذه الإجراءات الهامة في رسالتها التي أرسلتها إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة وقد صدرت هذه الرسالة بوثيقة رسمية عن الأمم المتحدة.
وقال الجعفري: إن الحكومة السورية وضمن هذه الإجراءات وافقت على فتح 3 مكاتب فرعية إضافية للأمم المتحدة ليصل عدد المراكز الأممية الرئيسة إلى 6 مراكز تقوم بتغطية مختلف مناطق سورية كما سمحت الحكومة بوصول المساعدات الإنسانية مباشرة عبر المعابر الرئيسة الرسمية مع كل من لبنان والأردن والعراق وكنتيجة مباشرة لهذا الإجراء تم فتح جسر جوي لطائرات الشحن الأممية المحملة بالمواد الغذائية والمساعدات الإنسانية الأخرى إلى محافظة الحسكة عبر العراق وذلك بعد أن منعت المجموعات الإرهابية المسلحة إيصال أي مساعدات إنسانية إلى تلك المحافظة عن طريق البر خلال الشهرين الماضيين.
ولفت الجعفري إلى أن الحكومة السورية تقوم حاليا بالتعاون مع الأمم المتحدة على وضع خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية للعام 2014 والتي من المفترض إطلاقها في جنيف خلال وقت قريب.
وأكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة أن تنفيذ هذه الخطة بنجاح يعتمد إلى حد كبير على ضمان توفير الموارد المالية اللازمة من قبل المانحين وهي الموارد التي لم تتعد الستين بالمئة من التمويل المطلوب الذي كان مخصصا لتمويل خطة الاستجابة لعام 2013.
وأوضح الجعفري أن نجاح الحكومة السورية والأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في الحقل الإنساني يتوقف أيضا على تحييد عوامل التدخل الخارجي الفاضح في الشأن السوري الداخلي ولا سيما من جانب الحكومات التي تغذي الإرهاب بهدف تقويض حظوظ انعقاد ونجاح مؤتمر جنيف 2.
وقال الجعفري.. إن صورة ما يجري في سورية أصبحت واضحة للجميع فمن يريد لها الشر والدمار بات معروفا وكشف عن نفسه بنفسه كما أننا بتنا نشهد مراجعة حقيقية لمواقف العشرات من الدول إزاء ما يجري في سورية لعل الجميع يعرف ما هو الحل ويدرك أهمية أن يقوم ما يسمى المجتمع الدولي بموجب قرارات مجلس الأمن بمكافحة الإرهاب بمساءلة الدول التي تدعم علنا العنف والإرهاب في سورية وتقوم بإذكاء نار الفتنة الطائفية والمذهبية وتمول وتؤوي المسلحين والإرهابيين وتدفعهم لارتكاب مجازر وتفجيرات وأعمال إرهابية بحق المدنيين السوريين والبنية التحتية للدولة السورية.
وأشار مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة إلى أنه لا يمكن لبعض الحكومات المشاركة في سفك الدم السوري أن تدعي أنها تقوم بدور رجل الإطفاء والإغاثة الإنسانية في الوقت نفسه الذي تقوم هي نفسها فيه بافتعال الحرائق وتمويل ورعاية جرائم القتل والإرهاب في سورية وفرض الحصار لتجويع الشعب السوري.
وشدد الجعفري على أن حل الأزمة الإنسانية في سورية لا يتم من خلال التحامل السياسي ولا عبر النظر بعين واحدة لما يجري ولا من خلال توجيه البعض النقض إلى الحكومة السورية التي تقوم بعمل جبار ومجهودات هائلة لمساعدة شعبها بل يكون من خلال وقف تمويل الإرهاب ورعايته والتقيد الصارم والنزيه بمبادئ تقديم المساعدات الإنسانية وأولها القرار 46 على 182 ومن خلال العمل الجاد للدول والهيئات المانحة في تقديم ما وعدت بتقديمه من مساعدات غير مشروطة ومن خلال العمل على رفع التدابير القسرية الاقتصادية الأحادية الجانب..
(المصدر: وكالة سانا للأنباء “Sana” بتاريخ 13/12/2013)