جددت فالنتينا ماتفيينكو رئيسة مجلس الاتحاد الروسي (المجلس الأعلى في البرلمان الروسي) أثناء استقبالها لغبطة البطريرك يوحنا العاشر يازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس في موسكو أمس دعم بلادها للحل السلمي للأزمة في سورية عبر حوار شامل ودون أي تدخل خارجي.
وخاطبت رئيسة مجلس الشيوخ الروسي البطريرك اليازجي قائلة “أعاهدك يا صاحب الغبطة أن السياسة الروسية التي يتبعها الرئيس فلاديمير بوتين لن تسمح لأي تدخل خارجي بالشأن السوري وستستمر بالمستقبل لأن روسيا لا ترى حلا للمسألة السورية سوى الحل السلمي” مؤكدة أن المساعدات الإنسانية ستتواصل إلى الشعب السوري بكل مكوناته معربة عن أسفها لاختطاف المطرانين والراهبات من المجموعات الإرهابية المتطرفة.
وقالت ماتفيينكو إن “الاجراءات الوحيدة القادرة على وقف الاعتداءات الجارية في سورية تكمن بتوحيد المجتمع الدولي لجهوده لحل الأزمة بالطرق السياسية حيث تلعب روسيا دورا رئيسيا بهذه الجهود” معربة عن الغضب الشديد من تعدي المجموعات المسلحة على المقدسات الدينية في سورية بما فيها المسيحية واستخدام المدنيين كرهائن وإرغام السكان على ترك منازلهم.
وحذرت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي من أن الأحداث الجارية في سورية تثبت بروز مخاطر جدية يعرض المنطقة برمتها لمخاطرة إزالة حضارة عمرها أكثر من ألفي عام مشددة على أن روسيا لن تسمح بتهديد الوجود المسيحي في المنطقة التي تعد مهد الحضارات والنور في العالم.
ولفتت ماتفيينكو إلى أن البرلمانيين الروس يناقشون هذه التهديدات بينهم ومع البرلمانات الأجنبية ومع كل الشركاء في العالم.
واستهجنت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي إقدام المتطرفين الملطخة أياديهم بدماء الشعب السوري على الاعتداء على دولة ذات سيادة وبتدنيس مقدساتها.
وقالت ماتفيينكو إن “الشعب الروسي قلق جدا من مجرى الأحداث في سورية ومن عمليات القتل والخطف وتدنيس المقدسات” محذرة من أن استمرار هذه الأحداث يبرز مخاطر انتشار هذه المآسي إلى جميع دول الشرق الأوسط ما سيشكل آثارا كارثية على الحضارة في المنطقة موضحة أن الجهود الروسية موجهة نحو منع حدوث مثل هذه الكارثة المريعة.
ولفتت ماتفيينكو إلى أن روسيا وقفت منذ بداية الأحداث إلى جانب الشعب السوري وقالت إن “ما يجمعنا بقوة مع سورية هو تاريخ وعرى صداقة عريقة لذلك اتخذنا طيلة هذه الفترة موقفا مبدئيا تجاه ما يجري فيها ونحن اليوم نتابع باهتمام تطور الوضع فيها”.
كما شددت على وجوب أن تكون سورية دولة قوية موحدة يشعر فيها جميع السكان باختلاف انتماءاتهم الدينية والعرقية بالأمن والراحة والأمان ولافتة إلى انه لا يمكن إلزام دولة ذات سيادة بإملاءات وقوانين ومشاريع غريبة عنها.
كما أعربت ماتفيينكو عن قلق بلادها من الوضع المتأزم في لبنان ومن مخاطر تدهوره في المستقبل مجددة رفض روسيا للتدخل بشؤون لبنان الداخلية ودعمها لحل كل المشاكل التي تهدد أمنه ووحدة أراضيه.
بدوره نوه البطريرك يازجي بالموقف الروسي الساعي لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم أجمع والذي يسهم في توطيد العلاقات بين روسيا وسورية وبين الكنيستين الروسية والانطاكية في سورية ولبنان مشددا على عراقة العلاقات بين الكنيستين وتجذرها وتمنى للشعب الروسي كل الخير والوفاء وبأن تزدهر روسيا على كل الأصعدة.
ووجه البطريرك يازجي الشكر لروسيا وللرئيس بوتين لمحاولاته وجهوده لرفع صوت الحق في الشرق الأوسط.
وجدد البطريرك يازجي التأكيد على التشبث بضمان استمرار الوجود المسيحي في المنطقة مشيرا إلى أن “ضمانة السلام في المنطقة كما نراها هي في أن نكون جميعنا بخير مسيحيين ومسلمين وكل أطياف المجتمع بخير وإلا لن يكون أحد بخير”.
وشدد على أن السلام هو الأساس الذي يطلبه الشعب في سورية ولبنان والاستقرار في هذه المنطقة بأكملها.
وبين البطريرك يازجي أن هناك عناصر غريبة دخلت على المجتمع في سورية ولبنان وبشكل خاص في الآونة الأخيرة مستخدمين الدين للتفرقة وعملوا على أن يرفض الواحد الآخر إذا لم يكن على دينه وهذا غريب كل الغرابة عن ديارنا سواء مسلمين أو مسيحيين نظرا للعيش المشترك القائم خلال قرون.
ولفت البطريرك إلى أن هذه العناصر الغربية استخدمت الدين للتفرقة كما استخدمت الشعارات المقدسة مثل حرية الرأي والديمقراطية وحقوق الإنسان ولكن للأسف ما يجري أدى إلى دمار وخراب وليس إلى المحبة أو البناء مؤكدا أن الكنيسة الأنطاكية تقيم العلاقات مع جميع الأطياف المسيحية والمسلمة في بلادنا وهذا ما يتجلى بشكل خاص في توزيع المساعدات الإنسانية.
ولفت البطريرك يازجي إلى أننا في سورية لا نفرق بين الديانة المسيحية والإسلام ونعتبر أن الدين هو الذي يجمع ونرفض نحن والكثير من المسلمين ما يجري من تطرف ديني وقتل باسم الدين في كثير من الأوقات كما نرفض التعاطي في هذه الأمور من منطق الأقلية والأكثرية من حيث العدد لأننا لا ننظر إلى أنفسنا كأقلية أبدا إذ أننا من سكان هذه الديار ولنا دور رائد ونحن وأخوتنا المسلمون بنينا تاريخنا المشترك وما سيأتي في المستقبل سيكون على الجميع.
كما أشار البطريرك يازجي إلى أن المرأة تلعب دورا بارزا في سورية ولبنان وتشغل مناصب وزارية ومسؤوليات حكومية كبيرة ولا أحد عندنا سواء مسيحيين أو مسلمين يريد العودة إلى الوراء في وقت يريد بعض المشايخ في بعض البلدان تغييب دور المراة ومنعها من الخروج والعمل.
وكان البطريرك يازجي أكد خلال حفل استقبال في الامطوش الأنطاكي في العاصمة الروسية حضره السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية المعتمدون لدى روسيا الاتحادية وعدد من كبار المسؤولين الروس وحشد من أبناء الجالية السورية أن سورية كانت دوما بلدا لعيش مشترك ولأخوة حقة وما يجري فيها الآن غريب على تاريخها القريب والبعيد.
وقال البطريرك يازجي ..إن “سورية لم تكن يوما مستعبدة لأحد ولن تكون مستعبدة للإرهاب والتكفير ولا لأي تطرف إيديولوجي”.
وأضاف..إن “سورية التي أعطت فارس الخوري وشكري القوتلي وخليل مردم بك تنبذ كل منطق الصراع وتتهلل بأن ترى أبناءها مجتمعين إلى حوار صادق وحل سياسي يصونها واحدة موحدة قوية … نريد سورية ونشاؤها وطناً للسلام ونريدها مرتعاً للطمأنينة ومن حقنا أن نرى فيها الأمان خطوة أولى نحو السير للأفضل”.
وتابع البطريرك يازجي ..”إن انتماءنا إلى أرضنا هو الذي يجمعنا دوما مع كافة أطياف بلادنا ويوجه قلوبنا إلى خير الإنسانية جمعاء ونحن مسلمين ومسيحيين أخوة التراب في ديارنا وأخوة التاريخ ولحمة الجغرافيا ونحن أجراس محبة وأذان تسامح وماضينا وحاضرنا يدمغ حياتنا ويسم مستقبلنا بمبادئ العيش المشترك والمواطنة وقلبنا يخفق وينبض بأن الدين لم يكن يوماً عامل فرقة لا بل سبيل وحدة”.
ولفت البطريرك يازجي إلى “إن الوطن للجميع وأننا مؤتمنون على وحدة ترابه وخير إنسانه” مشدداً على أن “العالم كله مدعو لأن يرى قضية المهجرين والمخطوفين في سورية وليسكب جهوداً حثيثة في سبيل وقف كل تصادم فيها ونحن في كنيسة أنطاكية أبناء تلك الأرض لدينا الشهداء والمهجرون والمخطوفون ولدينا مطارنة وكهنة وراهبات أبناء وبنات يدفعون ثمناً باهظاً لما يجري “مبيناً أن قضية المخطوفين هي برسم المجتمع الدولي والمنظمات الحكومية وغير الحكومية الذين “نأمل منهم أفعالاً مقرونة بالأعمال تفضي إلى الإفراج عنهم”.
وأكد البطريرك يازجي أن لبنان مدعو لأن يعلو فيه منطق الحوار على منطق الاستقواء بالغير داعياً إلى صيانة عيشه المشترك وهيبة الدولة وصون السلطة من شبح الفراغ وقال: “نحن نصلي أيضاً من أجل العراق وفلسطين والأردن ومصر والمشرق والعالم كله ومن أجل الشعب الروسي الطيب الذي يعشق ذكرى القداسة ويعانق أنطاكية وتعانقه بأشد المودة”.
وقدم البطريرك يازجي الشكر للشعب الروسي باسم الشعب السوري وقال إن “روسيا شعباً وحكومة وكنيسة أبدت خلال الفترة الماضية على ضوء الأحداث الجارية في سورية كل المحبة والاهتمام تجاه شعبنا وأرسلت مساعدات إنسانية إلى الشعب السوري وكل هذا يدل على حسن العلاقة والمحبة بيننا وعلى وقفة الأخ إلى جانب أخيه ويسهم في تعزيز العلاقات الوطيدة أكثر بين بلدينا وشعبينا”.
وقال: “إننا اليوم في موسكو نصلي معا من أجل السلام في سورية وفي الشرق الأوسط بشكل عام ونأمل أن نراكم في سورية والسلام يخيم في ربوعها”.
وفي صلاة مشتركة أقامها البطريرك يوحنا العاشر وقداسة البطريرك “كيريل” بطريرك موسكو وسائر روسيا في كنيسة الملاك “جبريل” التابعة لطائفة الروم الأرثوذوكس في موسكو قال البطريرك الروسي ..إنه “ليسعدني أن أقف في هذا المعبد العابق بالصلوات بكل خشوع وأن أقول إن سورية اليوم تعيش أوقاتاً صعبة ونحن نعلم أنكم يا غبطة البطريرك بذلتم وتبذلون الكثير من أجل خير سورية وتعملون كل ما بوسعكم لإحلال السلام الاجتماعي على الأرض السورية الطاهرة” بينما أكد البطريرك يازجي أن “إقامة الصلاة في هذه الكنيسة في وسط موسكو هي دليل قاطع على العلاقات المتجذرة تاريخياً بين الكنيستين والشعبين في سورية وروسيا”.
بدوره قال سيرغي ستيباشين رئيس الجمعية الامبراطورية الأرثوذوكسية الروسية: “إننا اليوم نشاهد كيف يقتل الناس وتشرد الأقليات في الشرق الأوسط وخصوصاً في سورية وقد اتخذت جمعيتنا قراراً بتقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري المتضرر من الوضع الصعب الناشئ في البلاد وقامت بإرسال شحنات مما قدمه المواطنون الروس البسطاء الذين كان إقبالهم على تلبية نداء الجمعية يدل على المحبة التي يكنها الشعب الروسي لإخوته في سورية وعلى تضامنه مع شعب سورية الصديقة”.
وأضاف “إننا عندما قررنا القيام بحملة جمع المعونات للشعب السوري لتخفيف معاناته من هذه المحنة لم نكن نتوقع أن يكون اندفاع المواطنين الروس البسطاء بهذا الحجم الكبير والواسع ومن كل أنحاء البلاد من أقصاها إلى أقصاها” معرباً عن شكره للحكومة السورية لحسن استقبال وفد الجمعية الامبراطورية و/للمساعدة المقدمة شخصيا منكم يا صاحب الغبطة لأعضاء الوفد في سورية/.
وكان البطريرك يازجي أكد في كلمة له بقصر المؤتمرات في الكرملين أمس الأول بمناسبة افتتاح قراءات الميلاد التعليمية الدولية الثانية والعشرين المكرسة هذا العام لذكرى مرور سبعمئة سنة على ميلاد القديس سيرغي رادونيجيسكي ضرورة الحوار السياسي غير المشروط لحل الأزمة في سورية وتقبل الآخر مشدداً على ضرورة أن تلعب حكومات العالم دورها في الإسراع بتوطيد السلام قائلاً..إن “قيامة سورية تكون بقبول الاخر لا بتكفيره .. عبر حوار غير مشروط وحل سياسى يحقن دماء الأبرياء كما إن قيامة سورية من مأساتها تعني أن تتحمل كل حكومات العالم دورها في الإسراع بتوطيد السلام في ربوعها وفي إقفال ملف المخطوفين ومنهم المطرانان يوحنا ابراهيم وبولس يازجي والكهنة وراهبات معلولا وأيتامها الذين كان ذنبهم الوحيد أنهم حملوا صليبهم وكانوا سفراء سلام ومصالحة”.
يذكر أن البطريرك يازجي يقوم بزيارة رسمية لموسكو تعد الأولى له تستغرق خمسة أيام يجري خلالها مباحثات مع الهيئات الدينية والرسمية والبرلمانية الروسية.
(المصدر: وكالة سانا للأنباء “Sana” بتاريخ 29/1/2014)