يبدو أن كابوس الإرهابيين الذين توجهوا إلى سورية للانضمام إلى المجموعات الإرهابية المسلحة بعد تجنيدهم من قبل شبكات منظمة غضت الدول الغربية الطرف عنها وسهلت لها عملها ودخلوا إلى سورية بتسهيلات من حكومة “رجب طيب أردوغان” في تركيا بات يقض مضاجع الغربيين بعد إدراكهم لحجم المخاطر التي ستواجهها مجتمعاتهم بعد عودة هؤلاء الأشخاص.
وفي سياق التحذير من هذه المخاطر وتداعياتها على المجتمعات الغربية قالت صحيفة ليبراسيون الفرنسية في افتتاحيتها أمس تحت عنوان “مرعب”.. “إن المئات من الفرنسيين ذهبوا إلى سورية للانضمام إلى “الجهاد” وغالبيتهم شباب من الضواحي تطرفوا عن طريق اصوات الدعاة والشبكات الاجتماعية ويمكن وصفهم بأنهم أطفال تائهون ولكن ايضا بالغون التحقوا بـ “أرض الاسلام” تحت راية ظلامية مع قناعات عميقة تقشعر لها الأبدان”.
وأضافت الصحيفة إن “الشهادات التي حصلت عليها ونشرتها اليوم توضح انحراف أحد الأشخاص الذين ذهبوا إلى سورية واستجر معه عائلة بأكملها في الجحيم السوري وتظهر فعالية الهياكل المذهبية والتدريب العسكري والتلاعب بالعقول”.
ورأت الصحيفة أن “هذا الرجل الذي يدعى الآن صلاح الدين الفرنسي ومن خلال عدم مبالاته للحياة وحتى لبناته يكشف العمى القاتل للأشخاص الذين سيعود بعضهم عاجلا ام آجلا الى مجتمعاتهم التي يعتبرونها ملحدة وهو ما يشير إلى أنه بعد أشهر أو بعد سنين فان عشرات من هوءلاء الأشخاص الذين خرجوا من قلب الديمقراطيات الغربية سيكون عليها أن تواجههم”.
ونقلت الصحيفة عن صلاح الدين الذي يبلغ من العمر 27 سنة قوله إنه “غادر فرنسا مع عائلته المكونة من زوجته وابنتيه اللتين تبلغان من العمر 8 سنوات و6سنوات لكي يقوم بما سماه “الجهاد” في سورية التي وصلها في الـ 11 من تموز الماضي”.
وأشار المدعو صلاح الدين الفرنسي إلى أنه بدأ بمشاهدة افلام الفيديو وخطب اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق التي تأثر بها ليقرر التوجه إلى سورية حيث غادر مدينة ليون عبر طائرة إلى اسطنبول ومن ثم الى الحدود التركية السورية حيث دخل من هناك إلى حلب وانضم إلى تنظيم “دولة الاسلام في العراق والشام” ومن ثم إلى “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم القاعدة الذي دربه على المتفجرات والقناصة ليشارك بعدها في القتال في مناطق عدة من سورية حيث قتل خلالها العديد من الأجانب الذين انضموا إلى المجموعات المتطرفة.
ولفتت الصحيفة إلى أن هؤلاء الأشخاص يشكلون خطرا كبيرا على دولهم لأنهم سيعودون “جنودا محنكين يتدافعون في معارك دامية وصقلوا بالخطابات المتطرفة وجاهزين للقيام بحروب أخرى ولذلك يجب التعرف إلى طبيعتهم من اجل تجنب ان يصبحوا تهديدا”.
وأوضحت الصحيفة أن العلاج القضائي لهؤلاء المتطرفين ضروري ولكنه ليس كافيا ولذلك على الدول الأخرى المعتدلة ان تشارك بجزء من مواجهة هذا التهديد.
وتأتي هذه التحذيرات المتزايدة بعد أن كان وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس حذر في مطلع كانون الأول الماضي مع نظيرته البلجيكية جويل ميلكيه من قيام منظمات قريبة من تنظيم القاعدة في سورية بتجنيد الشباب الأوروبي للقتال في سورية مقدرا عدد هؤلاء بما بين 1500 و2000.
وشكل موضوع تزايد عدد الغربيين الذين يتوجهون إلى سورية للانضمام إلى المجموعات الإرهابية المسلحة محور اهتمام الدول الغربية خلال الفترة الاخيرة حيث عقدت لهذه الغاية عدة اجتماعات على مستوى عال لمناقشة هذا الموضوع كان اخرها الاجتماع الذي عقد فى بولندا يوم الجمعة الماضي وشارك فيه وزراء داخلية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واسبانيا وايطاليا وبولندا وأكد في ختامه وزير الأمن الداخلي الأمريكي جيه جونسون أن “المسؤولين الأمنيين في أوروبا يولون اهتماما خاصا للمتطرفين في دولهم الذين يذهبون إلى سورية لحمل السلاح” وخصوصا في ظل المعلومات المؤكدة عن سفر “أفراد من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا إلى سورية للقتال هناك في وقت يحاول متطرفون بشكل نشط تجنيد غربيين وادلجتهم واعادة إرسالهم إلى بلدانهم الأصلية لتنفيذ مهمات متطرفة”.
وفي مقابلة مع الصحيفة نشرت في عدد أمس قال مارك هيكو الخبير في قضايا الإرهاب “إن ظاهرة انضمام الأجانب إلى المجموعات المسلحة في سورية لم يسبق لها مثيل” لافتا إلى أن “عدد الأجانب الذين ذهبوا إلى سورية للقتال مع الجماعات “الجهادية” يقدر بين 12000 او 13000″.
وأضاف هيكو “ان هناك الكثير من الفرنسيين بين هؤلاء وعددهم في ازدياد ويقدر منذ عام 2011 حتى يومنا هذا بـ 700 فرنسي “مشيرا إلى أن هذه الحركة تنامت مع الخطاب التحريضي لـ “يوسف القرضاوي”.
وأكد هيكو أن العدد الأكبر من الإرهابيين “من بين مواطني الدول المسلمة من السعوديين أو التونسيين ومن ثم يأتي وراءهم الليبيون والأردنيون أما إرهابيو الغرب فإن العدد الأكبر منهم من الفرنسيين وكذلك بريطانيون وألمان”.
وأشار هيكو إلى أن الإرهابيين في سورية من كل الأصناف ويتراوحون في تطرفهم لافتا إلى أن أعدادا من الإرهابيين تأتي مع عائلتها بكاملها فيما يأتي آخرون بشكل إفرادي و”إن عددا منهم ينادي بنقل الجهاد إلى الغرب”.
إلى ذلك أكدت الصحيفة في مقال حمل عنوان “بين غسيل دماغ وانتهاك واضح” أن 33 تحقيقا جنائيا ما زال مفتوحا حول “الشبكات الجهادية السورية” في فرنسا محذرة من ارتفاع أعداد الجهاديين في ظل عجز أجهزة الاستخبارات عن التصدي ضد “أعدائها غير المرئيين”.
ورفضت الصحيفة المزاعم بأن عددا ممن يذهبون إلى سورية ضحايا مشددة على أن هذا يتعارض مع رأي قاضي مكافحة الإرهاب الذي مثل أمامه الطالبان الفرنسيان اللذان تمت إعادتهما من تركيا مؤخرا.
ونقلت الصحيفة عن قاضي مكافحة الإرهاب قوله “إنهما ليسا ضحيتين لقد ذهبا وهما مدركان الأمر تماما فقد سرقا البطاقة الائتمانية لوالد أحدهما من أجل شراء بطاقة السفر إلى تركيا إنهما ليسا أطفالا مساكين ضائعين .. إنها جريمة خطرة”.
ولفتت الصحيفة إلى حالات نساء غادرن فرنسا من أجل الوصول إلى تركيا ومن ثم سورية مبينة أن هناك “العديد من الاستفهامات حول الأرامل السوداوات أو جهاد النكاح وأن اغلبيتهن تزوجن عن طريق الانترنيت من ملتحين وذهبوا إلى سورية”.
ويرى مراقبون أن سبب الصحوة المفاجئة في أوروبا وتنامي وتيرة التحذيرات مؤخرا من خطر الإرهابيين هو التخوف الحقيقي من الكوارث المترتبة على عودتهم إلى بلادهم التي سبق أن سهلت أو تغاضت أو دعمت بشكل أو بآخر وصولهم إلى سورية..
(المصدر: وكالة سانا للأنباء “Sana” بتاريخ 14/2/2014)