بعد افتضاح الدور الأمريكي المعرقل للمسار السياسي لحل الأزمة في سورية من خلال الكشف عما أطلق عليه قصاصات روبرت فورد السفير الأمريكي السابق في دمشق التي حملت تعليمات لوفد “الائتلاف” بممارسة التسويف والتضليل خلال مباحثات جنيف وكذلك المعلومات عن إعطاء الضوء الأخضر لنظام آل سعود بتهريب المزيد من الأسلحة للمجموعات الارهابية المسلحة في سورية يحاول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مجددا التغطية على هذه الحقائق عبر إلقاء التهم جزافا على دول أخرى بمسألة تعطيل وعرقلة هذا المسار.
وحاول كيري في أحدث تصريحاته المنفصلة عن الواقع أمس والتي أطلقها في العاصمة الاندونيسية ونقلتها وكالة الصحافة الفرنسية مجددا التلطي وراء اتهام روسيا وإلقاء اللوم على موقفها إزاء ما جرى في مباحثات جنيف2.
واستمرارا لاتهاماته واستهدافاته الهستيرية لسورية وقيادتها اعتبر كيري أن “الحكومة السورية تمارس العرقلة في مفاوضات جنيف” وفق زعمه “بدعم متزايد من روسيا وإيران” فيما أثنى على ما سماه “شجاعة وجدية”صنيعة إدارته وفد “الائتلاف”.
وفي تزوير فاضح للوقائع التي كشفت حقيقة الموقف الامريكي ومنها الإعلان عن تقديم المزيد من السلحة للمجموعات الإرهابية المسلحة بعد افتتاح المؤتمر الدولي حول سورية جنيف 2 رأى كيري أن “روسيا يجب ان تكون جزءا من الحل بدل أن توزع المزيد من الأسلحة والمزيد من المساعدات للحكومة السورية”وهو ما اعتبره المراقبون تجاهلا مقصودا للدعم والتمويل والتسليح الذي تقدمه بلاده وحلفاوءها الغربيون والاقليميون للمجموعات الإرهابية في سورية ما يسهم في تعقيد المسار السياسي لحل الأزمة التي تعانيها منذ ثلاث سنوات.
وخير دليل على ذلك هو ما يتحدث به المسؤولون الأمريكيون أنفسهم عن زيادة الدعم للمجموعات الإرهابية المسلحة في سورية والتي ظهرت من خلال الكشف في الثامن والعشرين من الشهر الماضي أي بعد أيام من بدء مباحثات الجولة الأولى من مؤتمر جنيف2 في الثاني والعشرين من الشهر نفسه عن تصديق الكونغرس الأمريكي سرا على تمويل شحنات أسلحة إلى المجموعات الإرهابية المسلحة في سورية التي سموها المعارضة المعتدلة جنوب سورية عن طريق الأردن حتى نهاية السنة المالية في الولايات المتحدة في الثلاثين من أيلول المقبل.
وتأتي تصريحات كيري هذه بعد سلسلة من المواقف التي أعلنها وزيرا خارجية فرنسا لوران فابيوس وبريطانيا وليام هيغ وسارعا فيها باعلان فشل الجولة الثانية من مفاوضات جنيف محملين مسؤولية ذلك وكما هو متوقع بناء على موقفيهما التآمريين والتخريبيين للحكومة السورية وهو الأمر الذي رد عليه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين رئيس وفد الجمهورية العربية السورية إلى مؤتمر جنيف وليد المعلم في تصريحات له أمس الأول من على متن الطائرة التى تقل الوفد السورى العائد إلى دمشق بالقول “إن الجولة الثانية من مؤتمر جنيف2 التي اختتمت أمس لم تفشل بل انجزت نقطة مهمة جدا بفضل وعي المفاوض السوري عندما أعلن موافقة سورية على جدول الاعمال الذى اقترحه الوسيط الدولي الأخضر الابراهيمي والذي يبدأ في بنده الأول بنبذ العنف ومحاربة الإرهاب” مجددا التأكيد “إن المحادثات لم تفشل بل انجزت ما كنا نطالب به باستمرار وهو جدول اعمال للحوار فى اجتماعات جنيف القادمة”.
وتعد تصريحات كيري حول الدور الروسي في حل الأزمة في سورية أيضا محاولة لتشويه هذا الدور القائم على ضرورة إيجاد حل سياسي لهذه الأزمة من خلال السير في مباحثات جنيف2 لتطبيق ما تم الاتفاق عليه في بيان جنيف الأول الذي ينص في أول بنوده على نبذ العنف ومكافحة الإرهاب وكذلك حث جميع الأطراف المشاركة في المباحثات على متابعة العمل حتى الوصول إلى حل ينهي معاناة الشعب السوري ويحقق آماله وطموحاته دون أي تدخل خارجي.
ويرى مراقبون أن الوقائع التي تكشفت على مدار الأعوام الثلاثة الماضية أثبتت أن الدور الأمريكي كان منذ بداية الأزمة في سورية دورا داعما للإرهاب عبر التمويل والتسليح وساعيا لإيجاد المبررات والمسوغات لتدخل عسكري خارجي في سورية على غرار ما جرى في العراق وليبيا وغيرهما باستخدام مجلس الأمن الدولي كغطاء قانوني وشرعي وهو الأمر الذي وقفت روسيا والصين في وجهه وتصدتا لكل المحاولات الغربية لتحقيق ذلك في ضوء تمسكهما بالقانون الدولي وعدم جواز التدخل الخارجي في شؤون الدول الأخرى واحترام استقلالها وسيادتها.
وحتى بخصوص صفقات الأسلحة التي تتم مع الحكومة السورية فلطالما أكدت روسيا أنها تجري بشكل يتماشى ويتطابق مع القوانين الدولية باعتبار الحكومة السورية حكومة شرعية معترفا بها من كل دول العالم ويحق لها أن تشتري السلاح للدفاع عن أراضيها وسيادتها ضد أي عدوان خارجي.
وفيما يخص إيران فانها تجدد دائما تأكيد موقفها الرافض للتدخل الخارجي في شؤون سورية الداخلية والداعي إلى قيام حوار بين السوريين للوصول إلى حل سياسي يحقق تطلعات الشعب السوري وآماله في بناء دولة قوية.
ويواصل المسؤولون الأمريكيون التدخل بشكل فظ وسافر في شؤون سورية الداخلية من خلال الحديث المكرر عن ضرورة “رحيل النظام” وأيضا من خلال السماح لحلفاء بلادهم الاقليميين مثل حكومة رجب طيب أردوغان في تركيا ونظام آل سعود ومشيخة قطر وغيرها بإرسال الإرهابيين والسلاح والأموال إلى سورية لدعم المجموعات الارهابية فيها هذا إضافة إلى ما فضحته وسائل الإعلام من تعليمات كان ينقلها فورد إلى وفد الائتلاف خلال مباحثات جنيف بخصوص الاصرار على تجاوز مسألة مكافحة الإرهاب والقفز نحو نقاط أخرى في محاولة لحرف الأنظار عن القضية الأكثر إلحاحا في مسار الحل السياسي للأزمة في سورية وهي ضرورة وقف هذا الارهاب الأعمى ووقف دعمه وتمويله باعتباره خطرا بات يهدد العالم بأسره..
(المصدر: وكالة سانا للأنباء “Sana” بتاريخ 18/2/2014)