رأى عدد من الباحثين والمحللين السياسيين الروس المتخصصين في شؤون سورية والشرق الأوسط أن الجولة الثانية من المحادثات ضمن أطر المؤتمر الدولي حول سورية جنيف 2 لم تفشل لأنها كانت ولا تزال آلية للحل السياسي للأزمة في سورية.
وأشار الباحثون الروس في مقابلات لمراسل سانا في موسكو إلى أن الوفد الرسمي السوري إلى جنيف 2 عرض المواقف المبدئية الثابتة وأثبت كفاءة مهنية عالية في الذود عن المبدأ المنطقي الأساسي المتمثل في أولوية وقف العنف ومكافحة الإرهاب كمدخل لحل الأزمة في البلاد.
ودحض المحللون الروس الاتهامات الأمريكية التي وردت على لسان وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري إلى دمشق وموسكو بوضع العصي في عجلات عملية جنيف موضحين أن الأمر على العكس من ذلك تماما لان الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين وتركيا وممالك الخليج هم بالذات الذين يعرقلون أي حل سياسي للأزمة في سورية.
وقال بوريس دولغوف كبير الباحثين في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية “لا شك في أن مؤتمر جنيف الذي شاركت فيه أكثر من خمسين دولة لا يزال يشكل ساحة للمحادثات من أجل حل الأزمة عبر طريق سياسي”.
ووصف دولغوف الاتهامات التي وجهها كيري إلى موسكو بأنها تعرقل حل الأزمة في سورية بأنها اتهامات مختلقة لا تستند إلى أي وقائع وتهدف إلى قلب الأمر رأسا على عقب لان روسيا تسعى مع البلدان التي تشاطرها موقفها إزاء ما يجري في سورية إلى إيجاد مخرج سياسي من الأزمة عبر الحوار السياسي وتوحيد جهود جميع القوى السورية السليمة المؤهلة للانخراط في هذا الحوار السياسي لوضع سورية على سكة التطور الديمقراطي المستقل.
وأضاف دولغوف نحن نرى من جهة أخرى أن الولايات المتحدة وبعض ممالك الخليج تواصل تأييدها للمجموعات الإرهابية المسلحة في سورية أي أنها تعمل على استمرار وتأجيج المجابهة المسلحة في سورية وفي ذلك يكمن العائق الرئيسي على طريق حل الأزمة في البلاد.
بدوره قال يوري زينين كبير الباحثين في جامعة العلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية الروسية إن انعقاد مؤتمر جنيف يعتبر بحد ذاته نجاحا كبيرا بغض النظر عن نتائجه لأن جهودا كبيرة بذلتها روسيا والدول الأخرى من أجل جمع الأطراف المتنازعة وانعقاده.
وأضاف زينين “أما بالنسبة للنتائج لم يكن هناك أي شخص يعتقد أن هذا المؤتمر يمكن أن يحل دفعة واحدة هذه الكمية الهائلة من القضايا التي تراكمت في سورية خلال السنوات الأخيرة فهذا أمر غير واقعي ولكن حقيقة أن الأطراف قد اجتمعت وأن المحادثات لم تنقطع فهذا يعتبر انتصارا وإنجازا كبيرين وهذا يعني أن ذلك الجزء من المعارضة الذي لم يرغب في البداية بالمشاركة وذهب إلى جنيف تحت ضغط الرأي العام يجب أن يتولد لديه إدراك في أن الحوار يجب أن يستمر وألا ينقطع”.
واعتبر زينين أن الجانبين سارا إلى المباحثات على أرضية هشة ورقيقة وكان على جميع الأطراف الدولية العمل على مساعدة هذين الطرفين ودعم هذا البصيص من الأمل في الحوار الذي كاد يبدأ لتوه ولكن للأسف الشديد كلنا سمعنا بالاتهامات التي وجهتها الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها إلى روسيا بأنها المذنبة في فشل المحادثات في جنيف.
وأكد زينين أن مثل هذه التصريحات لا تسهم في إيجاد وتعزيز نقاط الالتقاء التي بدأت تظهر للعيان وهذا يدل على أن الأمريكيين يخشون من أن الأطراف السورية يمكن لها أن تتفق وأن هذا الخوف يمكن تلمسه بكل وضوح معربا عن اعتقاده أنه إذا ترك السوريون ليحاوروا بعضهم بعضا وإذا لم يكن هناك ضغط كبير من قبل القوى الخارجية فإن السوريين بمقدورهم أن يتفقوا.
بدوره اعتبر ألكسندر كوزنيتسوف الباحث السياسي في جامعة موسكو الحكومية أن الاتهامات الموجهة لروسيا بأنها وراء إفشال الجولة الثانية من جنيف 2 مجردة عن الصحة وتتناقض مع الواقع الموضوعي لأن اتفاقات غير رسمية في المجتمع الدولي نصت على أن الجانب الروسي ملزم بتوفير مشاركة الوفد الحكومي السوري والجانب الأمريكي يضمن حضور “وفد المعارضة”.
وقال كوزنيتسوف معروف جدا أنهم دعوا جهة واحدة من بين قوى المعارضة أي “قوى الائتلاف” الذي شكل من المهاجرين السوريين والذي لا يمثل أحدا على أرض الواقع في سورية في حين هناك قوى معارضة حقيقية ووطنية مشكلة من أطياف سياسية واجتماعية مختلفة لم تتسلم دعوة لحضور المؤتمر في جنيف ولم يحضر المؤتمر سوى قوة واحدة فرضت لتمثل عمليا جميع قوى المعارضة.
ورأى كوزنيتسوف أن المحادثات في جنيف “ضرورية ولا يمكن التخلي عنها نظرا للوضع الصعب الذي تعاني منه سورية أمنيا وإنسانيا واقتصاديا وغيره” لذلك ينبغي البحث عن اتفاقات معتبرا أن المحادثات في هذه التركيبة لوفد المعارضة من الصعب التوصل معها إلى تفاهمات وتصبح المحادثات غير بناءة في غياب الإطار الحقيقي لقوى المعارضة وفي عدم تمثيل قوى المعارضة بشكل كامل وبالأخص أن وفد المعارضة يبدأ محادثاته بتوجيه الإنذارات في حين لا يمكن لأي محادثات أن تبدأ بالإنذار والتحذير بل تبدأ بالاستماع إلى وجهات النظر المختلفة.
وأشار كوزنيتسوف إلى أن القوة الثالثة التي يجب أن تشارك في المباحثات هي تلك التجمعات والهيئات الوطنية المتواجدة في الداخل السوري والتي يجب أن تشارك في الجولات اللاحقة لمؤتمر جنيف 2 ويجب العمل مع هذه القوى دون التركيز على المغتربين من السوريين والذين يعيشون في اسطنبول ولندن لعشرات السنين حيث فقدوا كل صلة لهم بالشعب السوري ولا سلطة لهم على المجموعات المسلحة للمعارضة في البلاد.
واستبعد كوزنيتسوف أن يقوم الأمريكيون بخلق الذرائع من أجل التدخل في سورية عسكريا لأنهم جربوا التدخل في أفغانستان وفي العراق ولم تكن النتائج إلا سيئة حتى بالنسبة للولايات المتحدة ذاتها وكانوا لا يعرفون كيف سيخرجون من العراق لذلك إن الرأي العام الأمريكي ضد أي تدخل عسكري وخصوصا في الشرق الأوسط ولكن من جانب آخر يوجد شخصيات أمريكية مغامرة يمكنها القيام بمغامرات عسكرية من أجل حصولها على انتصارات مؤقتة لذلك يتوجب على المجتمع الدولي العمل على تعزيز الحل السلمي الذي لا بديل منه من أجل حل النزاع في سورية ولا يمكن لأي تدخل عسكري خارجي أن يكون في سورية.
وكانت جولة المحادثات الثانية ضمن المؤتمر الدولي حول سورية “جنيف2” قد بدأت في العاشر من الشهر الجاري إلا أن إصرار وفد “الائتلاف” على تجاهل معاناة السوريين ورفضه الاعتراف بالإرهاب وضرورة مكافحته عطل إمكانية التوصل إلى أرضية مشتركة رغم انفتاح وفد الجمهورية العربية السورية على نقاش جميع بنود بيان “جنيف1” بندا بندا وتأكيده على أنه سيواصل الجهود لإنجاح المحادثات بما يخدم تطلعات الشعب السوري..
(المصدر: وكالة سانا للأنباء “Sana” بتاريخ 19/2/2014)