منذ ما يزيد على الثمانية آلاف عام صمد أهل سورية في وجه الغزوات والحروب والكوارث والمؤامرات والتقسيمات والاحتلال بجميع أشكاله القديم والحديث كانوا وما زالوا وسيبقون متمسكين بوحدتهم وأعراقهم وجنسياتهم ومذاهبهم وجميع هذه المفردات بلحمتهم الوطنية كشعب واحد فسيفسائي الخليط والمزيج قل نوعه في المعمورة وعز على الأعداء الكثر اختراقه على مدى هذه العصور وأصبحت هذه اللوحة الفسيفسائية مصدر فخر للسوريين بين أقرانهم وموقع إلهام للأدب والشعر ومثالاً يحتذى به للعالم بأسره تمثل في القول ( لكل إنسان موطنان وطنه الأم وسورية).
ما ذكرته ليس مقدمة أو شعراً أو خيالاً.. بل هو يتمثل في الآثار السورية الموجودة في كل شبر من وطننا الغالي لدرجة أنه عند تنفيذ أي مشروع إنشائي في أي محافظة سورية كانوا يعانون الكثير في تنفيذه ولاسيما عند عمليات الحفر… لماذا؟ لأنهم كانوا يصطدمون في الحضارات المدفونة في الأراضي السورية وما أكثرها من حضارات ألهمت العالم وأصبحت قبلة للسائحين. لا أريد أن أطيل… فلطالما طرحت مثل هذه الموضوعات وأصبحت مكررة ومقروءة ويحفظها كل سوري.
لكن يعز علينا جميعا أن يحصل ما حصل في سورية خلال السنوات الثلاث الماضية ؟!
الإرهاب يتطاول ويسعى لتدمير أقدم الحضارات عمقاً في التاريخ ويتطاول على أقدم العواصم المأهولة في تاريخ البشرية مهد الأنبياء ومنبع الحضارات ومصدر العلوم…. لتنفيذ أجندات خارجية دولية وعربية بحجج ومصطلحات فرضتها دول غير ديمقراطية وغير حضارية وبحاجة إلى مئات السنين لتصل إلى ما وصلت إليه سورية من تقدم وتطور وانفتاح.
وأكثر ما أحزنني جملة قالها لي أحد كبار السن أثناء المصالحة في ببيلا…. (الجهّال… يتحكمون بالعقال) وكان عتب هذا الرجل المسن على الشعب السوري وليس على أحد غيره…. وقال لي حرفيا: (أنا أعتب على السوريين الفهمانين المثقفين الذين غزوا العرب والعالم بفهمهم وعلمهم وأدبهم وحضارتهم…لأنهم سمحوا للمتخلفين والرعاة أن يضحكوا عليهم ويجروهم إلى مثل هذه الكارثة القذرة)
في النتيجة سيتصالح الجميع… لا بديل عن ذلك… هكذا يقول التاريخ… فلطالما شاهدنا الأعداء يتصافحون ويتسامحون…. هكذا منطق الأشياء… الغرباء يتصالحون… فما بال الاخوة والأشقاء؟
من هنا انطلقت ريف دمشق
أدرك القائمون على محافظة ريف دمشق ذلك وأيقنوا وتأكدوا أنه لا بديل عن المصالحة مهما طال الزمن وسارعوا منذ ما يزيد على العامين للم الشمل وتقريب وجهات النظر بين الافرقاء من خلال سلسلة كبيرة من الحوارات واللقاءات والاجتماعات والزيارات الميدانية التي شاركت بها شرائح المجتمع المحلي كافة من رسميين ووجهاء للمجتمع وأعضاء مجلس الشعب وبقية الأطياف، وطرحوا على طاولات الحوار الكثير من القضايا والمشكلات بدأت بالخدمات ومعالجة الفساد وإبعاد أسياده وتقديم الدعم للبلدات المحتاجة وصولا إلى التسامح مع الذين حملوا السلاح وتسوية أوضاعهم وإعادتهم للانخراط في المجتمع والإفراج عن المعتقلين وتسوية أوضاع المتخلفين عن الخدمة الإلزامية…. وبالرغم من التحديات الكبيرة التي كانت ولا تزال استطاع أهالي المحافظة أن يصلوا إلى قناعات….. بأنه لا بديل عن التسامح والتصالح مهما طال الزمن….. وهذا ما كان ليحصل لولا وجود شخصيات في محافظة ريف دمشق استطاعت من خلال صبرها وجهدها ومثابرتها أن تحصد نتائج ايجابية في عمليات المصالحة الوطنية التي قطعت شوطا كبيرا في المعضمية وتوجت مؤخرا نجاحا في ببيلا ويلدا وبيت سحم في الغوطة الشرقية وقطارها سيصل قريبا إلى الزبداني ومن ثم دوما وحرستا… وصولا إلى جميع البلدات في المحافظة.
قافلة المصالحة الوطنية التي دخلت إلى ببيلا وبيت سحم كانت كبيرة وحاشدة ضمت عدداً كبيراً من الأفرقاء وتخللتها خطابات وطنية كبيرة وحاشدة وشاركت بها جميع الشرائح الاجتماعية التي أكدوا فيها على وحدة الشعب السوري وحماية أراضيه ورفض التدخل والتحشيد الخارجي ونبذ العنف والإرهاب وتتوج كل ذلك برفع ورفرفة العلم الوطني السوري فوق مبنى المجلس البلدي والمؤسسات الرسمية والأبنية الخاصة.
اللافت للنظر هو الأحاديث التي كانت تدور بين عناصر من جيشنا الوطني وبعض ممن حملوا السلاح كان فيها شيء من الود والتسامر وكأن شيئا لم يكن وكذلك بين المواطنين وبين الأفرقاء…. هذه الأحاديث كانت المؤشر القوي على تلاحم الشعب السوري بكل مكوناته.
لقد غمرت مشاعر الفرح جميع الأسر العائدة إلى المنطقة بعد أن هربت من منازلها خوفا من بطش الإرهابيين بينما كانت ورشات خدمات محافظة ريف دمشق تواصل عملها في إزالة الأنقاض وفتح الشوارع، وهذا ما أكده المهندس حسين مخلوف محافظ ريف دمشق في الكلمة التي ألقاها أمام الجموع ومن أمام مبنى المجلس القضائي في ببيلا أن المصالحة في هذه البلدات ثمرة جهود مخلصة من قبل أبناء الوطن وبشراكة حقيقية مع أبناء جيشنا البطل وعناصر الدفاع الوطني وان روح المصالحة والتسامح التي سادت أفضت إلى هذا العرس الوطني بعودة والتقاء كل أبناء المنطقة.
وأكد مخلوف أن كل الفعاليات الخدمية في المحافظة جاهزة لتقديم احتياجات أهالي ببيلا وبيت سحم ويلدا من كهرباء وصحة ونظافة وإدخال المواد والسلات الإغاثية، مشيرا إلى أنه ستتم إعادة فتح منافذ بيع مؤسستي التدخل الايجابي الاستهلاكية والخزن والتسويق وإعادة تشغيل كل الأفران بعد تزويدها باحتياجاتها من مادتي الدقيق والوقود بالتوازي مع تأهيل المراكز الطبية والمستوصفات وتزويدها بكل مستلزماتها من كوادر وتجهيزات طبية.
مشيرا إلى أن كل مناطق ريف دمشق التي عاشت الأزمة يتعطش أبناؤها لعودة الوئام والمحبة والتسامح إليها بالتكاتف بين أبناء الوطن من طاقات شابة وطنية مع عناصر الجيش العربي السوري في ترسيخ الأمن والأمان مبينا أنه «لا جدوى من أي جهد مصالحة لا يؤدي إلى عودة كل المهجرين إلى بيوتهم والأطفال إلى مدارسهم وأن يكونوا في مأمن واستقرار دائمين»
(المصدر: وكالة سانا للأنباء “Sana” بتاريخ 24/2/2014)