تعود شبه جزيرة القرم من جديد لتفرض نفسها كحدث أساسي وبارز على الصعيد الدولي وذلك بعد أن كانت إحدى مدنها وهي يالطا في عام 1945 مكانا لاجتماع قادة الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا والذي رسم فيما بعد خريطة القوى والنفوذ في العالم بأسره طوال القرن الماضي.
وإثر التوتر الكبير الذي تعيشه أوكرانيا على خلفية قيام المتطرفين بإفشال الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الحكومة الأوكرانية والمعارضة برعاية وسطاء أوروبيين قبل أيام عدة تعود الأنظار إلى شبه جزيرة القرم بعد أن طلب رئيس حكومة جمهورية القرم سيرغي أكسيونوف من روسيا المساعدة في حفظ الأمن والاستقرار في أراضي الجمهورية في أعقاب التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الأزمة في أوكرانيا.
فيما أيد مجلس الدوما الروسي بالإجماع طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السماح باستخدام القوات المسلحة الروسية على أراضي أوكرانيا حتى عودة الاستقرار السياسي والاجتماعي إلى هذا البلد.
وتعد هذه التطورات المتسارعة دليلا على الأهمية الكبيرة التي يمثلها هذا الإقليم نظرا لموقعه الجغرافي الاستراتيجي والحيوي وطبيعته الديمغرافية والبشرية ما جعله محطا لصراعات كبرى على مدار التاريخ.
وفي هذا الإطار قال اليكسي بوشكوف رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما الروسي إنه «يمكن أن يخيب المراقبون الدوليون في القرم أمل الولايات المتحدة كونهم سيشهدون دعم الشعب المحلي لروسيا».
وكانت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة سامنثا باور قالت إنه «ينبغي إرسال المراقبين الدوليين إلى أوكرانيا حالا لمراقبة الوضع فيها ومن أجل منع أي أعمال عنف».
في أثناء ذلك أعلن سيرغي أكسيونوف رئيس مجلس وزراء جمهورية القرم الذاتية الحكم أنه عين قائد البحرية الأوكرانية السابق دينيس بيريزوفسكي قائدا للقوات البحرية لجمهورية القرم.
جاء هذا الإعلان عقب لقاء في سيفاستوبل جمع أكسيونوف وبيريزوفسكي وألكسندر فياتكو قائد أسطول البحر الأسود الروسي.
وأعلن بيريزوفسكي، الذي عُين قائدا للبحرية الأوكرانية، أعلن أنه أدى قسم الولاء لشعب القرم. وقد أعلن أكسيونوف في وقت سابق أنه يعتبر فيكتور يانوكوفيتش رئيسا شرعيا لأوكرانيا وسيخضع لأوامره.
من جهة أخرى أعلن العسكريون الأوكرانيون المرابطون في شبه جزيرة القرم انحيازهم بشكل جماعي إلى السلطات المحلية ولجان الدفاع الشعبية. وذكرت وكالة ايتار تاس الروسية أن العسكريين الأوكرانيين قدموا استقالتهم بشكل جماعي والتحقوا إلى جانب السلطات المحلية في القرم.
وكان النائب الأول لرئيس حكومة القرم رستم تيميرغالييف قد أعلن نجاح السلطات في السيطرة على القوات الموجودة في أراضي الجمهورية ذاتية الحكم.
ونقل موقع روسيا اليوم عن تيميرغالييف قوله في مؤتمر صحفي عقده إن «جميع وحدات الجيش الأوكراني الموجودة في القرم تمت محاصرتها ونزع الأسلحة من عدد منها كما أن جزءا كبيرا من العناصر انحاز لمصلحة أهالي القرم».
وبخصوص موضوع تتار القرم أعلن تيميرغالييف عن النية لعرض مناصب في البرلمان على ممثليهم مؤكدا استعداد الحكومة لضمان تمويل برامج غير مسبوقة لمساعدة التتار وإعادة توطينهم.
وكان أكسيونوف أكد أن سلطات القرم نجحت في إقامة التعاون مع أسطول البحر الأسود الروسي لحماية المنشآت الحيوية في الجمهورية مشيرا إلى أن المجموعات تعمل معا وأنه واثق بأنها ستستطيع أداء مهماتها في الحفاظ على النظام العام.
بدوره أعلن حاكم منطقة بلغورود الروسية أن مجموعات مسلحة حاولت قطع طريق مؤد إلى أوكرانيا يمر بالمنطقة الواقعة غرب روسيا.
ونقلت وكالة انترفاكس الروسية عن الحاكم يفغيني سافشينكو قوله إن»مسلحين كانوا يتجولون في المنطقة وكانت هناك محاولة لقطع الطريق بين موسكو وشبه جزيرة القرم «مشيرا إلى أن هذا «الأمر يثير القلق بشكل كبير في المنطقة».
من جهة أخرى يستمر تصاعد الأوضاع في مدينة خاركوف شرقي أوكرانيا بعد إصابة أكثر من 100 شخص بجروح في اشتباكات عنيفة بين متظاهرين مناهضين للسلطات الجديدة في كييف ونشطاء من منظمة»القطاع اليميني» المتشددة.
وتشير المعلومات إلى أنه وعلى الرغم من عودة الهدوء إلى خاركوف إلا أن الأجواء في المدينة ما زالت متوترة حيث يتخوف الكثير من السكان من احتمال وفود تعزيزات من المتشددين إلى خاركوف من مدن أوكرانية أخرى.
أعلنت هيئة الهجرة الفدرالية الروسية اليوم أن «نحو 675 ألف مواطن أوكراني نزحوا إلى روسيا منذ بداية عام 2014 وسط مخاوف من مستقبل مجهول في أوكرانيا التي ضربتها الازمة».
ونقلت وكالة نوفوستي الروسية عن الهيئة قولها ان «أغلبية الأوكرانيين طالبي اللجوء اتخذوا مقار إقامة مؤقتة في بيلغورود وروستوف وبريانسك والمناطق المجاورة وكذلك في إقليم كراسنودار».
وتابعت الهيئة انه «في شهر شباط وحده زاد تدفق النازحين من أوكرانيا إلى منطقة روستوف بنسبة 53 بالمئة في حين ارتفع النزوح إلى منطقة كورسك بنسبة 71 بالمئة ما يشير إلى كارثة إنسانية تلوح في الأفق».
وتوقعت الهيئة تدفق أعداد كبيرة من النازحين الأوكرانيين إلى مناطق روسيا المتاخمة لأوكرانيا في حال استمرت الفوضى فيها.
في هذه الأثناء تظاهر أكثر 20 ألف شخص في موسكو أمس تأييدا للمواطنين الأوكرانيين الناطقين باللغة الروسية.
وأعلن منظمو المظاهرة أن المشاركين فيها ينتمون إلى منظمات شبابية والى اتحادات المحاربين القدامى.
وشارك حوالي 15 ألف شخص في تظاهرة مماثلة جرت في اليوم نفسه في مدينة بطرسبورغ. وفي مدينة كراسنودار بجنوب روسيا تظاهر حوالي 12 ألف شخص تضامنا مع سكان القرم واحتجاجا على سياسة المتطرفين المستولين على السلطة في كييف.
بدوره دعا البابا فرنسيس بابا الفاتيكان جميع الإطراف في أوكرانيا إلى « تجاوز سوء التفاهم المتبادل « وطالب المجتمع الدولي ببذل كل الجهود لتشجيع الحوار. وذكرت ا ف ب أن البابا فرنسيس طلب أثناء صلاة البشارة من المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس «الصلاة من اجل أوكرانيا «وعبر عن تمنياته في أن « يعمل جميع الأطراف في البلاد على تجاوز سوء التفاهم كما أطلق نداء كي يدعم المجتمع الدولي أي مبادرة لإجراء حوار .
(المصدر: صحيفة الثورة بتاريخ 3/3/2014)