بين الدعاية الإعلامية وغسيل السياسات أو تبييضها على طريقة غسيل الأموال القذرة تراوحت آراء المتابعين للشأن الإقليمي بخصوص الاستفاقة السعودية المتأخرة للاعتراف بالخطر الإرهابي ووضع قائمة للمنظمات الإرهابية وخاصة بالسعودية كان أبرز عيوبها ونواقصها غياب الحركة الوهابية عن هذه اللائحة كأقدم وأبرز حركة أصولية تكفيرية في المنطقة تحترف القتل والإلغاء والإقصاء بحق كل من خالفها الرأي.
ورغم أنه لا خلاف على كون «جبهة النصرة» وتنظيم «الإخوان المسلمين» وشقيقه تنظيم «دولة الاسلام في العراق والشام» منظمات إرهابية بالفكر والفعل إلا أن تصنيفها سعودياً على هذا الشكل أثار موجة من التساؤلات عن حقيقة الأهداف الكامنة وراء الأوامر والمراسيم الملكية السعودية وتوقيتها ومدى ارتباطها فعلاً بالسياسة المتبعة من شيوخ آل سعود وخاصة أن هذه التنظيمات التي أدرجت على ما يسمى «القائمة السعودية للإرهاب» ليست وليدة اليوم بل هي ناشطة وتمارس الإرهاب من زمن طويل، فلماذا تأخرت السعودية حتى الآن لترى أنها تنظيمات إرهابية باتت اليوم إرهابية بعدما كان آل سعود يدعمونها من قبل ولفترة طويلة جداً ؟.
ورأت مجموعة من الباحثين والخبراء بقضايا الجماعات الإرهابية خلال دراسة أعدوها بهذا الشأن أن القرارات السعودية المتلاحقة بخصوص الإرهاب بدءاً بتجريم من يقاتل إلى جانب مجموعات متطرفة خارج المملكة وصولاً إلى إعلان القائمة السعودية بالمنظمات الإرهابية مجرد قرارات إعلامية تريد المملكة من خلالها الوصول إلى الإعلام لكي يلمع صورتها التكفيرية الدموية في العالم، ولذلك خرجت بهذه البيانات الرافضة للإرهاب والتطرف والغلو والتكفير واصفة البيان السعودي بأنه إعلامي وليس عقائدياً الهدف منه تلميع الصورة المتشدّدة للمملكة.
واعتبر هؤلاء الباحثون أن الحديث عن بيان عقائدي لا يصح، إذ إن جميع النخب الفكرية والعلمية في العالم العربي والإسلامي تعلم أن الوهابية والإخوان وجهان لعملة واحدة ويهدفان لتشويه الإسلام بدليل القواسم العقائدية والفكرية بينهما.
وأثبت الباحثون خلال مقارنة منهجية بين «الوهابية والإخوان» وحدة الحال بين التنظيمين الإرهابيين من حيث الشعارات والرايات والنشأة والولادة والمبادئ العامة للحكم بمعنى تطبيق الشريعة ورفض الأحكام المدنية واللجوء للتكفير وأنواع الكفرة بالنسبة لهم وإقامة الأجهزة العلنية والسرية لتطبيق كل ذلك ليتوصلوا في محصلة كل ذلك إلى أن هناك تطابقاً واضحاً بين التنظيمين من حيث التفكير والأهداف وانتهاجهما الإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافها.
واعتبر الباحثون أن هذا التطابق بين فكر الوهابية والإخوان يجعل من القرارات السعودية لمحاربة الإخوان مجرد كلام إعلامي دعائي لا غير ويبيّن بشكل قاطع أن بيان المملكة بهذا الخصوص إعلامي بامتياز فلو أراد آل سعود محاربة الإرهاب والتطرف فعليهم إعلان نقض كل مبادئهم ومناهجهم التعليمية والتدريسية والدعوية والإرشادية وفكرهم الوهابي العفن.
واعتمدت القراءة التحليلية التي انتهجها الباحثون على المقارنة بين مكونات الظاهرة الإرهابية في كل من الوهابية والإخوان المسلمين توصلت بمحصلتها إلى أن الوحدة بينهما تبدأ بالشكل من حيث الراية المعتمدة لدى كل منهما والتي تقوم على السيف لدى الوهابية والمسدس لدى الإخوان في إشارة إلى اعتماد العنف تحت مسمى «الجهاد» سبيلاً للوصول إلى الأهداف وبذريعة تطبيق الشريعة الإسلامية.
وبمعنى الولادة والنشأة قالت الدراسة: من رحم الفكر التكفيري خرجت الجماعات الأصولية المتشدّدة وعلى رأسها «القاعدة» ومن القاعدة خرجت النصرة وتنظيم دولة الاسلام في العراق والشام ومن رحم الإخوان ولدت أبشع وأكفر وأعتى الجماعات الأصولية ومنها جماعة الهجرة والتكفير والجماعة الإسلامية برئاسة أيمن الظواهري الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة، مشيرة إلى أنه من رحم واحد ولدت الوهابية والإخوان حيث استشهدت الدراسة بما كتبه الباحث الدكتور سليم العوا في هذا المجال أن ولادة الجماعات الإسلامية ما كان لها أن تقوم لولا رحم الوهابية المغذي لأبشع أنواع التشدّد والتعصب.
وأكثر من ذلك فقد توصلت الدراسة المنهجية التحليلية إلى أن الإخوان والوهابية يعتمدان عقيدة تسمى «الولاء والبراء» وهي واحدة لديهما إذ يتبرأ الطرفان الإرهابيان من اليهود والنصارى والفرق الإسلامية الأخرى والطوائف الأخرى ويعتبران المجتمعات العربية بموجب هذا المفهوم كافرة يجب بغضها والعمل على إزالتها، كما أنهما يعتبران كل من يخالفهما جاهلياً بمعنى أنه خارج عن الإسلام وتجب مقاتلته وقتله ما لم يعد إلى الإسلام حسب وجهة نظرهم بموجب قاعدة تسمى لديهما «الجاهلية الأولى» ولذلك لا يمكن للوهابية أن تخرج من صف الإخوان فهما في بوتقة واحدة.
وبخصوص التكفير فإن التنظيمين يكفران ما عداهما ويقسمان الكافرين إلى فئات حسب فهمهما الخاص والمتطرف للإسلام فكل من عصى هو كافر وكل حاكم من خارجهما كافر وكل من لم يكفره كافر وكل من يساعده كافر وهذا يفسر الهجوم الإرهابي على مؤسسات الدول التي لا توافق رأيهما واستهداف الجيوش وقوات الشرطة وموظفي الدولة فهؤلاء كفرة بالنسبة للوهابية وللإخوان المسلمين وهناك فرق وحيد أن الوهابية تحكم في السعودية أما الإخوان فيسعون للحكم ولذلك فإن الوهابية تسعى للحفاظ على نظام الحكم في السعودية وتعتبره شرعياً لأنه يتبع لها أما غيره من الحكومات العربية والإسلامية فهي كافرة بالمطلق وهذا ينطبق تماماً على الإخوان المسلمين.
وبالنسبة للأجهزة المعتمدة من التنظيم فإنها تتشابه بالوظيفة تماماً فلا فرق بين ما يسمى «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في السعودية والأجهزة السرية للإخوان المسلمين فمهمة هذين الجهازين ترهيب الناس وإجبارهم على العبادة وفق الطريقة الوهابية الإخوانية والسعي لاستلام الحكم وتوطيده وتطبيق الشريعة الإسلامية على طريقتهما التي لا تمت للإسلام بصلة.
وبعد استعراض أوجه التطابق بين الإخوان والوهابية توصلت الدراسة إلى أنه لا يصح أبداً أن يمر على أحد أن السعودية تريد محاربة الإخوان بل إنها متحالفة معهم ولكنها تريد من خلال بياناتها تلك تحقيق مكاسب إعلامية وتلميع سياساتها التي باتت مكشوفة بعلاقاتها مع الإرهاب ويعلم الجميع أنها كانت وراء نشوء الحركات المتطرفة بدءاً من مصر لمحاربة الفكر القومي وصولاً إلى أفغانستان وبعد ذلك في العراق واليوم في سورية..
(المصدر: صحيفة تشرين بتاريخ 17/3/2014)