منذ عام ونص العام تقريباً انطلقت تظاهرات الأتراك العلمانيين والليبراليين في ساحة تقسيم، وقُمعت بطرق وحشية من قبل العناصر الأمنية التابعة لحكومة رجب طيب أردوغان حينذاك، والآن بعد وصوله لرئاسة البلاد –بنسبة أصوات تعد ضئيلة- يتكرر المشهد ذاته إذ لا يزال الطاغية أردوغان يمارس سياسته الإخوانية الاستبدادية، التي بدأت تُمنى بخسائر فادحة.
فها هو الشعب التركي ينتفض مجدداً في ثورة حقيقية ضد جبروت هذا الطاغوت الذي سيحرق تركيا، رافضاً السكوت رغم الممارسات القمعية الإجرامية التي يستخدمها أزلام حزبه «العدالة والتنمية» الإخواني الحاكم بحق المتظاهرين السلميين.
انتفاضة شعبية كبرت وسرعان ما تحولت إلى تظاهرات بعشرات الآلاف امتدت في عدة مدن.. تظاهرات ملأت الساحات ولم تستطع إيقافها آلة الفتك الأردوغانية التي قتلت أكثر من 38 متظاهراً حتى الآن وأصابت المئات. تظاهرات تُنبئ بأن انزلاق هذا الطاغية بات وشيكاً بسبب عنجهيته وتحويله جنوب تركيا لمقرّ للتنظيمات الإرهابية كـ«داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما، ومعبر لكل إرهابي للدخول إلى سورية.
أردوغان الذي يتشدق بالديمقراطية وحرية التعبير وصف المتظاهرين الذين خرجوا للتنديد بسياسته الداعمة للمجموعات الإرهابية بالعملاء للخارج والإرهابيين، وما ذكرته وكالة «الأناضول» من تبرير لارتفاع عدد قتلى التظاهرات مضحك للغاية لأنه يفتقد إلى الحد الأدنى من المنطقية والإقناع وهذا ما يعطي الحق للأمن وعناصر الشرطة بأن تطلق الرصاص الحي على المتظاهرين.
أردوغان «الديمقراطي» وحسبما بيّن الإعلام التركي أنه توعد المتظاهرين بالمحاسبة الشديدة وأنه أيضاً سيحاسب السياسيين واصفاً إياهم بالجبناء، وأنهم يحرضون «المخربين» على النزول إلى الشارع. كما منع أكراد تركيا من العبور إلى مدينة عين العرب للدفاع عنها ضد هجمات إرهابيي «داعش» الأمر الذي أثار غضب الأكراد وعزز صدق المعلومات المتداولة حول التعاون الاستخباراتي والعسكري بين أنقرة و«داعش» الإرهابي. وسائل إعلام عربية وغربية أكدت انعقاد الاجتماعات العديدة بين المؤسسة الأمنية التركية ومتزعمي «داعش» الإرهابي في إحدى المدن الحدودية شمال سورية والتي أفضت إلى توقيع اتفاقيات بين الطرفين لمحاربة الأكراد، والأدلة على هذا التناغم والتعاون التركي مع «داعش» بدت واضحة من خلال صفقة تحرير الرهائن الأتراك في الموصل وعدم قيام «داعش» بتدمير ضريح سليمان «الملك» العثماني أو أي ضريح آخر يرتبط بأجداد العثمانية. الحكومة التركية التي تستلهم نفس أيديولوجية الفكر التكفيري المتطرف للتنظيمات الإرهابية هو ما لفتت إليه صحيفة «أفرينش» الإيرانية التي أوضحت أنه منذ ظهور «داعش» الإرهابي وتحركاته في سورية والعراق بدا واضحاً عدم اتخاذ مواقف بيّنة ضد الإرهاب حتى إن حكومة أنقرة لم تكن تسمح بالقيام بتظاهرات مناهضة لـ«داعش» في تركيا.
سياسة «العدالة والتنمية» ستكون عواقبها وخيمة على هذ الحزب وعلى تركيا بأكملها وقد بدأت وسائل إعلام تركية تحذر من سقوط مدوٍّ لأردوغان بملامح طغت على المشهد السياسي والشعبي فبعد أن خسر العلمانيين والليبراليين بقمعه لهم في ساحة تقسيم والنخبة الإسلامية المتنورة خسر مجدداً الأكراد بسبب تواطئه مع «داعش» الإرهابي بعد اكتشافهم نيات هذا العثماني شرذمة الأكراد في تركيا وسورية. الأحداث التي تشهدها الآن تركيا تُظهر للجميع عدم قدرة الحكومة الحالية بقيادة رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو على إدارة البلاد بالشكل السليم والصحيح هذا ما أكده زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليتشدار أوغلو الذي أكد أيضاً أن على أردوغان التوقف عن إحداث المزيد من الأضرار بالسلطة العليا التي يمثلها انتهاك المادة الدستورية التي تحدد مهامه كرئيس البلاد.
وفي بيان صادر عن مكتب كليتشدار أوغلو جاء فيه: إن رئيس الجمهورية أردوغان لا يزال يعتقد نفسه رئيساً للوزراء ناسياً منصبه الحالي المحايد، مشيراً إلى أن أردوغان انتهك المادة 103 من الدستور على الرغم من أدائه اليمين على احترام الدستور. وتأسف كليتشدار أوغلو لما يقوم به حزب «العدالة والتنمية» بتقسيم المواطنين حسب معتقداتهم وهوياتهم، وقال: بسبب سياسة الحكومة الخاطئة بدأت البلاد تفقد الوحدة والتضامن لأن هذه الحكومة لا تعرف إلا تشويه سمعة الآخرين عن طريق توزيع الاتهامات عليهم.
(المصدر: صحيفة تشرين بتاريخ 13/10/2014)