رداً على الإنجازات المهمة التي حققتها سورية على صعيد مكافحة الإرهاب، خرج الأميركيون بمواقف تصعيدية ضد سورية، بدءاً بالتأكيد على السير قدما بتدريب الإرهابيين تحت مسمى المعارضة المعتدلة مقترنا بالتلويح بتدخل عسكري بري في سورية لحماية هذه الجماعات، واخيراً القرار 2209 الذي اتخذ مع نية غربية مبيتة بتطوير الامر نحو التدخل العسكري الاجنبي ضد سورية.
ان الناظر في هذه المواقف يكاد يستنتج بأن أميركا تتجه لاعتماد استراتيجية جديدة في الشأن السوري بعد فشل الخطط الثلاث السابقة، وأنها بصدد إزاحة القوى التي فشلت في تحقيق أهداف الحرب على محور المقاومة، لتتولى الأمر بنفسها، والقفز خطوة جديدة تتعدى العمل الاستعراضي المحدود الذي تنفذه طائرات «التحالف الأميركي ضد داعش» على حد تسميتهم، والدخول مباشرة في الميدان خلافا لكل ما جاء في المفهوم الاستراتيجي الأطلسي الذي فرض إقفال الجبهات ومنع زج الجيوش التقليدية الأطلسية في حروب جديدة بعد العراق وافغانستان. فهل ان أميركا قررت فعلا ذلك؟ ثم ما الذي يدفعها للقيام به؟
بداية نرى أن كل ما تعلنه أميركا أو تلوح به ليس من شأنه القطع بان هناك حرباً مباشرة ستقودها أميركا على سورية، فاستعمال بضعة مئات من الجنود للتدريب ثم للحماية على من يدربون، لا يعني اندلاع حرب بين الجيش الأميركي و الجيش العربي السوري، ثم إن بضعة من الآلاف الذين تعدهم أميركا لتزجهم في الميدان السوري لمواجهة داعش كما تعلن أو لقتال الجيش العربي السوري و حلفائه كما تخفي، إن هذه البضعة الاف من الإرهابيين ليست قادرة على تغيير موازين القوى كما ان مئات من أفراد القوات الخاصة التي تفكر أميركا بزجهم لحماية اولئك، لا تستطيع أن تغير مجريات الميدان السوري الذي يعمل فيه مئات الالاف من المدافعين عن سورية وعن محور المقاومة في مواجهة عشرات الالاف من الإرهابيين. وأميركا تعرف ذلك. اما عن قرار مجلس الامن ورغم ما تضمره اميركا من ورائه، فإنها تعلم انه قرار جاء بمبادئ عامة لا يختلف عليها أحد، ثم انه لم يعط احدا حق اللجوء الى القوة ضد أحد وتعلم انها إذا اردت الذهاب للحرب تحت علم الامم المتحدة فإنها بحاجة الى قرار جديد لن يصدر. تعلم هذا قبل غيرها فلما تلوح بالقوة اذن؟
ان التفسير الموضوعي للمواقف الأميركية يتصل برأينا بحقائق أو وقائع ترى أميركا أنها تفرض عليها التصعيد والتظاهر بأنها لازالت في موقف هجومي ولا نية لديها للتراجع لان التراجع في هذه اللحظات أو هذه الحقبة من شأنه أن يفقدها الكثير ويفاقم خسائر المشروع الذي عجزت عن تحقيق أهدافه الاستراتيجية الأساسية الكبرى رغم انه الحق العظيم من الخسائر والويلات بالمنطقة وأهلها.
فأميركا التي تراقب الانهيارات في صفوف الإرهابيين أمام الضربات الموجعة التي توجهها القوى المدافعة خاصة في معرض العمليات الاستباقية والتطهيرية، ترى أن ترك الأمور من غير تدخل ما، سيزيد من تسارع الانهيار والخسائر ولذلك فإنها توحي للجميع بانها تعد للتدخل الميداني من اجل رفع معنويات جماعاتها الإرهابية والدول المحتضنة لهم من جهة ومن اجل إقلاق أو زعزعة معنويات سورية وحلفائها من جهة ثانية.
فأميركا تعلم أن الاعتراف بإيران النووية بات حقيقة قائمة وتأخر توقيع الاتفاق المكرس لهذا الاعتراف بعض الشيء، تأخير لتحسين موقف أو طمأنة خائف، ثم إنها تعرف أن إيران النووية وبعد انهيار منظومة العقوبات المفروضة عليها، ستكون أكثر طلاقة وفعالية في الحركة الإقليمية، وبشكل يجعل محور المقاومة أسرع في تحقيق أهداف حربه الدفاعية بتطهير مناطقه من الإرهابيين والنفوذ المعادي، لذلك تريد أن توحي بانها لن تنكفئ ولن تسمح باي تغيير وأن التوقيع النووي لن يؤثر على المواجهة.
وأميركا التي تشهد التصدع المتنامي في حلف العدوان الذي بلغ يوما 133 دولة أسبغت عليهم اسم «أصدقاء سورية» تخشى أن يتسارع الانهيار أكثر بعد أن تراجعت هذه المجموعة حتى تدنت عن عشرة، ثم تنازعت وغابت بعد ذلك عن المشهد برمته ولم يعد أحد يسمع باجتماع أو مؤتمر لهذه الجماعة وحل مكانها تسابق بين الوفود الأجنبية على زيارة دمشق ولقاء رئيسها الذي لم تهزه كل المواقف الأميركية الطاعنة بشرعيته، بل اثبتت الأحداث أن قوة الرئيس وثقة شعبه به تسير في خط تصاعدي يعاكس الرغبات الأميركية. أميركا هذه تريد أن تقول إن الحرب الكونية على سورية لم تنته بعد وان في الجعبة الأميركية ما يمكن أن تخرجه تباعا حتى ولو كان تدخلا عسكريا، لتمنع انتصار سورية وبالتالي على العائدين اليها أن ينتظروا ولا يتسرعوا.
لكن رغم كل هذه المحاولات نرى أن المحاولات الاميركية لن تثني عن متابعة المواجهة الفاعلة ضد الارهاب ولن تستطيع أميركا أن تغير اتجاه النتائج، فسورية ومحور المقاومة باتوا يعيشون حقيقة انتصارهم، وعلى يقين بان الخصم لن يقوى على تغيير هذه الحقيقة، و بات المطلوب فقط المتابعة بالزخم الذي بدأ في الأشهر الأخيرة عبر العمليات الاستباقية و عمليات التطهير التي من شأنها أن تضيق مساحة المناطق التي افسد الإرهابيون امنها ثم تجهز عليهم فيها، مع التحسب لمواجهة خطر حرب الاستنزاف التي تخطط أميركا لإدارتها… حرب من اجلها تلوح بما ذكر و تهول به.
(المصدر: صحيفة الثورة السورية بتاريخ 9/3/2015)