أكد الدكتور بشار الجعفري مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة أن سورية كانت من أوائل الدول في منطقة الشرق الأوسط التي وقعت على معاهدة منع الانتشار في العام 1968 انطلاقا من قناعتها أن امتلاك أي دولة بالمنطقة لهذا السلاح المدمر يشكل تهديدا للسلم والأمن الإقليميين والدوليين على السواء وابتزازا لأمان المنطقة وشعوبها.
وقال الجعفري في بيان أدلى به اليوم خلال جلسة النقاش العام لمؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار لعام 2015 في مقر الأمم المتحدة بنيويورك إن سورية كانت سباقة في الدعوة لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وكل أسلحة الدمار الشامل الأخرى حيث قدمت أثناء عضويتها في مجلس الأمن مشروع قرار أمام مجلس الأمن بتاريخ 29 كانون الأول 2003 لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من تلك الأسلحة الفتاكة إلا أن مبادرتها تلك لقيت معارضة من قبل دولة نافذة في المجلس بهدف إجهاضها وذلك في محاولة من تلك الدولة لحماية “إسرائيل” في تنصلها من التزاماتها الدولية في هذا الخصوص.
وأوضح الجعفري أن انضمام سورية لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية عام 2013 يجب النظر إليه كخطوة أولى أساسية لإنشاء هذه المنطقة في الشرق الأوسط.
وأكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة أن ما صدر عن مؤتمر مراجعة المعاهدة 2010 بخصوص إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط استنادا إلى قرار مؤتمر المراجعة لعام 1995 يحتم إلزام “إسرائيل” بالانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار كطرف غير حائز على الأسلحة النووية أسوة بجميع دول المنطقة وإخضاع جميع منشآتها ونشاطاتها النووية للضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية وفقا لقرار مجلس الأمن 487 لعام 1981 ولقرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية رقم 17 لعام 2009 إضافة إلى القرارات الأخرى ذات الصلة وذلك حفاظا على الأمن والسلم الدوليين.
وقال الجعفري “إن المثير للدهشة والاستغراب في هذا الصدد هو تحدي “إسرائيل” لجميع قرارات الشرعية الدولية من خلال المتابعة في تطوير ترسانتها النووية بدعم من بعض الدول الأعضاء الحائزة على السلاح النووي وبعضها من الدولة المودعة للمعاهدة” موضحا أن قيام بعض الدول النووية بتزويد “إسرائيل” بالتكنولوجيا النووية المتطورة على مدى عقود من الزمن واستمرارها في حماية “الاستثناء النووي الإسرائيلي” يشكل انتهاكا فاضحا لالتزامات تلك الدول بموجب أحكام المادة الأولى من المعاهدة وبالتالي فإن المشكلة تصبح مضاعفة من حيث تورط دول نووية في البرنامج النووي العسكري الإسرائيلي.
وأضاف الجعفري “جميعنا يعرف أن “إسرائيل” ليست طرفا في معاهدة انتشار الأسلحة النووية حيث بدأ برنامجها النووي في بداية الخمسينيات من القرن الماضي في مركز النقب للأبحاث النووية بالقرب من مدينة ديمونة وفي أوائل الستينيات من القرن الماضي قامت فرنسا بتزويد “إسرائيل” بمفاعل لإنتاج اليورانيوم كما زودتها أيضا بدفعة من الصواريخ متوسطة المدى لتركيب رؤوس نووية عليها.. منذ ذلك الحين و”إسرائيل” تتبع ما تسميه سياسة “الغموض النووي” بناء على توافق إسرائيلي أميركي يعود إلى ستينيات القرن الماضي”.
وكشف الجعفري أنه وبناء على تقديرات قدرة إنتاج اليورانيوم في مفاعل ديمونة فإن “إسرائيل” قامت بإنتاج ما يزيد على 840 كيلوغراما من اليورانيوم المستخدم لأغراض عسكرية أي ما يكفي لصنع ما يزيد على 200 رأس نووي مشيرا غلى أن كل هذا المعلومات المتاحة للجميع حول برنامج “إسرائيل” النووي لم تكن كافية للدول التي تدعي حرصها على عالمية معاهدة منع الانتشار بأن تطالب “إسرائيل” بالتخلي عن هذا البرنامج الذي يهدد أمن منطقتنا وأمن العالم برمته ويجب هنا على كل الدول الاعضاء التي تتستر على “غموض” إسرائيل النووي أن تدرك أن هذا التستر لم يعد يجدي نفعا.
ولفت الجعفري إلى أن معظم دول العالم تتطلع إلى تنفيذ قرار مؤتمر المراجعة لعام 2010 القاضي بعقد المؤتمر الخاص بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وجميع اسلحة الدمار الشامل الاخرى في الشرق الأوسط نهاية عام 2012 في هلسنكي بفنلندا إلا أن إعلان “إسرائيل” المبكر في المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال شهر أيلول 2012 عدم المشاركة في المؤتمر المذكور أدى إلى إفشاله وإلى تفريغ كل الجهد الدولي المبذول في مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار في العام 2010 من محتواه وذلك في ظل أجواء غير مبررة من عدم المساءلة لهذا السلوك الإسرائيلي مؤكدا أنه إذا كان لهذا المؤتمر أي مصداقية فانه
يتحتم التوصل لتحديد تاريخ لعقد مؤتمر الشرق الأوسط خلال عام 2015.
وأشار الجعفري إلى أهمية أن يتم التعامل مع حق الدول الأطراف بالمعاهدة في الاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية كحق غير قابل للتصرف داعيا إلى تسهيل الاستخدام السلمي وعدم تقييده كما تنص المعاهدة وبموجب أحكام المادة الرابعة منها مبينا أن حديث البعض عن ضرورة تقييد ممارسة هذا الحق الأصيل يطرح تساؤلا جوهريا حول لجوء هذا البعض للبحث في تقييد حق اصيل يشكل أحد اركان المعاهدة الثلاثة.
وأوضح الجعفري أن الدول الحائزة على السلاح النووي لم تقدم للدول غير الحائزة الأطراف ضمانات أمن تلبي احتياجات ومشاغل تلك الدول غير النووية مؤكدا أهمية تنفيذ “قرار” المبادئ والأهداف الذي اعتمد في مؤتمر المراجعة والتمديد عام 1995 وذلك عن طريق البدء بمفاوضات جديدة لوضع وثيقة ملزمة قانونيا وغير مشروطة تهدف إلى توفير ضمانات أمن شاملة للدول الأطراف غير الحائزة على الأسلحة النووية.
وقال الجعفري إن حكومة الجمهورية العربية السورية تابعت باهتمام كبير جولات المباحثات التي عقدتها حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع مجموعة “خمسة زائد واحد” حول ما يسمى الملف النووي الإيراني.. ويحدونا الأمل دائما إلى أن يتم التوصل لاتفاق يضمن حق إيران في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية من جهة ويزيل أي سوء فهم من قبل الأطراف الأخرى حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني من جهة ثانية موضحا أنه في ضوء التوصل لاتفاق إطاري لإيجاد حل لهذه المسالة فإن حكومة الجمهورية العربية السورية ترحب بالبيان الصادر عن الجانبين وتكرر تأكيدها على أهمية تنفيذ الدول الغربية لالتزاماتها برفع العقوبات الاقتصادية الظالمة التي فرضتها طوال السنوات الماضية دون وجه حق على الشعب الإيراني.
وحول ما ذكره المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو في بيانه أمس من أن الوكالة قد خلصت إلى أنه “من المرجح جدا أن بناء دمر في موقع دير الزور عام 2007 كان مفاعلا نوويا كان ينبغي التصريح به إلى الوكالة” قال الجعفري إن مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يدينا عدوان “إسرائيل” الفاضح على الموقع بدير الزور ربما لأنهما اعتادا على التساهل مع خرق “إسرائيل” لقراراتهما الشرعية والدولية المتعلقة بمنطقتنا دون حسيب أو رقيب مشيرا إلى أن “إسرائيل” رفضت التعاون مع الوكالة والسماح لمفتشيها بالكشف والتحقق عن مصدر التلوث المحتمل الناجم عن الصواريخ الإسرائيلية والمواد التي استخدمتها في تدمير وتلويث الموقع.
وأضاف الجعفري “لا نزال نسمع ادعاءات لا أساس لها من الصحة على لسان المدير الحالي للوكالة بدلا عن مساءلة “إسرائيل” الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي هي في حالة عدم امتثال فاضح لمعاهدة منع الانتشار ولكل ما تقوم عليه الوكالة ولم نسمع من المدير العام للوكالة أي دعوة صريحة لإسرائيل للانضمام للمعاهدة ووضع منشاتها النووية تحت نظام الضمانات الشاملة التابع لوكالة الطاقة الذرية” لافتا إلى أن أمانو لم يطلع على مذكرات سلفه البرادعي مذكرا إياه أنه علاوة على أن سورية طرف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية فإنها طرف في اتفاقية الضمانات الشاملة للوكالة وأيضا في مدونة قواعد السلوك بشأن أمان المصادر المشعة وأمنها ووقعت على ثلاث اتفاقيات أخرى من بينها اتفاقية الأمن النووي.
ورأى الجعفري أن مسؤولية نجاح أعمال المؤتمر تقع على عاتق الجميع لأن المعاهدة تواجه تحديات يتوجب التصدي لها بشكل فعال لكونها الأساس العالمي المخول بلجم انتشار الأسلحة النووية وتحقيق هدف نزعها آملا أن تسهم المداولات في المساعدة على تعزيز أسس هذه المعاهدة وأعمال تنفيذها بالشكل الذي يكفل ضمان السلم والأمن الدوليين فعلا لا قولا.
وكان مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة قد وجه في بداية بيانه التهنئة بانتخاب ممثل الجزائر رئيسا للمؤتمر ولدولة فلسطين على انضمامها لمعاهدة عدم الانتشار كدولة عضو كما أكد انضمام وفد سورية إلى البيان الذي ألقاه وزير الخارجية الإيراني باسم حركة عدم الانحياز وقدم التعازي لحكومة وشعب جمهورية النيبال الصديقة على المصاب الأليم الذي نتج إثر الزلزال الذي ضرب البلاد.
(المصدر: وكالة سانا للأنباء بتاريخ 30/4/2015)