لن ينتبه العرب إلى حالة الضياع السائدة الا بعد فوات الاوان، كأنما البعض يترنم للعزف السياسي الاميركي وتبهره اوروبا بما تقدمه من وسائل تعريف عن نفسها. منذ ان خسر العرب لبنان السياحة والمصرف، فقد اكتشفوا ان العالم ليس محصورا بهذا البلد وانه واسع الأرجاء وله خاصية الترحيب بمن يملك القدرة المالية. وحين ذهبوا إلى مصر السياحية ايضا، الجميلة الحنونة، وجدوا فيها ضالتهم، تماما كما فكروا يوما بتونس الخضراء وبنعيم اهلها / وكذلك بسورية البسيطة الرخيصة الكثيرة الترحاب.
لكنهم اليوم على تردد ازاء تلك البلدان او ازاء اي بلد عربي .. ولهذا تغادر الرساميل العربية إلى مستقر في العالم الغربي، بالطبع هنالك من يشجع، ومن يأخذ باليد، اغراءات هذا العالم كثيرة ومفاتيحه أكثر من ان توصف، يكفي انه بالنسبة إليهم لا يتحدث بالعربية كي يكون مستوفيا شروط السلامة، بكل اسف.
من أشعل النيران في عالمنا العربي عرف الطريق الأقصر لكسب اجيال عربية جديدة التطلع، تملك النظرة الجاذبة نحو الغرب وتراه عالمها الذي تسعى اليه. تلك الاجيال رغم انها تعرف ان الآباء والاجداد كانت لهم مزية الالتصاق بالعواصم العربية، وان جل امانيها ان تجد لها مرقد عنزة في بعض العالم العربي وخصوصا في تلك البلدان المشار إليه اعلاه، فهي لم تستطع ان تورث للأبناء ما نمت عليه وما شاخت على رؤيته ولمسه.
لكن، لكل جيل اهدافه وتطلعاته حيث هو شعب جديد، فليس من عادة الابناء الاخذ عن آبائهم الا ما يهمهم، والباقي قفزة نحو عالمهم، فلا يكفي ان تقول لهم خذوا اسرار تجربتنا لأنهم يريدون التجريب وحدهم وبطريقتهم .. فكم سمعت مثلا من شخصيات في الامارات العربية تتحدث عن اهمية ان يتملك المرء جوار سفر غربي .. حتى ان بعض من يتحدثون عن الاستعمار الغربي وعن سياساته وعن ضرورة النضال ضده، نراهم أكثر تكيفا إذا ما زاروا العاصمة البريطانية او الاميركية او اي موقع اوروبي مهما كان. تلك الازدواجية عادية، وهي من طبيعة البشر في النهاية، لكن الجيل الجديد يعترف على الفور ان تطلعه محدد باتجاه الغرب وهو هدفه الأسمى.
لقد شلت حروب العرب الداخلية والحروب على العرب وحروب العرب على بعضهم كل امل بعودة اهتمام جيل كامل بأن يغرد كما فعل الاباء حين كان لهم عيش هانئ ومستقر في بلدان عربية مشهود لها بسياحتها وطيب حياتها ومصرفها ايضا. ويبدو ان جزءا مهما من الاشعالات تلك انما سببه تهجير الاجيال العربية الجديدة إلى امكنة غير عربية، ولطالما نجد التفتيش الشبابي العربي في هذا المجال عن المكان الذي يشبع الرغبات ويحقق المشتهى.
لا بد من الاعتراف بأن جيلا عربيا مصدوما من حالة امته لكنه لم يعد مأسورا لها امام البهرجة الغربية التي لطالما حققت له الاشباع العلمي والنظرة السياحية ومنطق العلاقات الاجتماعية المختلف وغيره من مسببات اللحاق بهذا الغرب. من المؤسف ان العرب لم يخسروا امن بلادهم واستقرارها وواقعها الاجتماعي والانساني، بل خسروا اجيالا عربية كان آباؤهم ذات سنين لا يجدون المتعة وراحة البال الا في اوساط ابناء جلدتهم.
(المصدر: وكالة سانا للأنباء، بتاريخ 12/5/2015)