يدلّل الحراك السياسي على الصعيدين الإقليمي والدولي، بأن ثمة تبدّلاً في المواقف السياسية الغربية تجاه مجمل ما يجري في منطقتنا.. تبدّلٌ فرضه أمران، الأول: التغيّرات الاستراتيجية ما بعد الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى، والثاني: تفشي سرطان الإرهاب، والذي طال رعاته في أوروبا، ومفرّخيه في مضارب بني سعود، وآخره ما حدث أمس في أبها السعودية.
فقد ثبت للجميع حقيقتان يجب التسليم بهما، الأولى: يمكن حل أعقد الملفات عن طريق الحوار السياسي، والثانية: إن الرهان على الإرهاب لتأمين المصالح، ولشفي الأحقاد، رهان على حصان خاسر، وهذا ما أكدته الوقائع، ففكر داعش انتشر في لندن وباريس، وناره أحرقت ثوب أردوغان، حتى صحا من سباته الطويل، ليعترف بخطر تنظيمات تكفيرية كان حتى وقت قريب يعتبرها “حركات ثورية”؟!.
لكن مشكلة بعض الغرب والنظام التركي وامتدادهم في الخليج، أنهم لا يريدون حتى اللحظة الاعتراف بخطئهم، ولم يسلّموا بأن حساب الحقل لم يتطابق مع حصاد البيدر، ويحاولون الانكفاء، ولكن بخطوات سلحفاتية، لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا يمكن من خلالها بأي شكل من الأشكال معالجة الإرهاب، الذي انفلت من عقاله، فأمريكا تريد محاربة “داعش” بضربات استعراضية عن طريق تحالفها المزعوم، بالإضافة إلى الستين إرهابياً ممن أسمتهم “معارضة مسلحة معتدلة”، وهؤلاء اختطفت جبهة النصرة ثلثهم، والباقي سيؤول مصيرهم إلى من سبقوهم من “الجيش الحر” وغيره ويلتحقون في صفوف إرهابيي “النصرة” أو “داعش”، أما تركيا فقد أعلنت على لسان وزير خارجيتها بأنها ستشنّ حرباً على داعش “قريباً”، وهذه الكلمة فضفاضة وحمّالة أوجه، وقد تستغرق سنوات لتنفيذها، كما عودنا أمثال أردوغان.
إذن، ما نشهده من تصريحات تصدر من هنا وهناك تتطلب خطوات على الأرض، وقرن الأقوال بالأفعال، والتقاط اللحظة قبل فوات الأوان، ويأتي في مقدّمة ذلك العودة إلى مجلس الأمن لتطبيق قرارات مكافحة الإرهاب، أي محاسبة كل من يموّل ويدرّب ويسلّح الإرهابيين، ويشتري النفط المسروق منهم، سواء كانوا أفراداً أم دولاً، هذا من جهة، ومن جهة ثانية على كل من تجاهل دور الحكومة السورية الاعتراف بدورها كممثل شرعي للشعب السوري، والتعاون مع الجيش العربي السوري، الذي يحارب الإرهاب نيابة عن العالم، في إطار تحالف دولي جدّي لمحاربة الإرهاب.
مما تقدّم فإن المبادرة التي طرحتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بالتنسيق والتشاور مع الحكومة السورية، تشكل مخرجاً لمن خسر المعركة لحفظ ماء الوجه، وتدرأ عن شعوب العالم مخاطر الإرهاب، الذي ذاقت منه شعوبنا الويلات، وشاهد العالم بأمّ العين تفنن التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها في قطع الرؤوس وأكل الأكباد وأسواق النخاسة، ومحاولة إعادة العالم إلى عصور ما قبل التاريخ، وما حصل في منطقتنا يمكن أن يحصل في أي بقعة على وجه البسيطة، بعدما تحوّل الفكر التكفيري إلى ثقافة غزت شعوب العالم.
سورية التي أدركت مبكراً، ومنذ سنوات طويلة، مخاطر دعم الإرهاب والاستثمار فيه، ترحب اليوم بكل الجهود الخيّرة لمحاربته، متعاليةً على جراحٍ أثخنها الأعراب والأغراب، وذلك بشرط التنسيق مع الحكومة السورية، وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم من طهران، وفي حال تمّ ذلك يكون العالم قد خطا الخطوة الأولى في طريق تطويق ظاهرة الإرهاب، ورسم بداية النهاية لمعالجة فكر ظلامي تغوّل وبات لزاماً على الجميع العمل على اجتثاثه، أما ما يتعلق بالشقِّ السياسي فعنوانه العام أن يترك للشعوب تقرير مصيرها بنفسها عن طريق الحوار للانتقال نحو مستقبل أفضل يتواءم مع حركة التاريخ وتطوّر المجتمعات الإنسانية.
(المصدر: وكالة سانا للأنباء، بتاريخ 7/8/2015)