أكد الدكتور بشار الجعفري مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة ضرورة التمسك بمبادئ احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها والمساواة في السيادة وتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لضمان إرساء سيادة القانون على الصعيد الدولي وحفظ السلم والأمن الدوليين وتحقيق التنمية وتوطيد العلاقات الودية بين الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية.
ونبه الجعفري في بيان أدلى به اليوم أمام جلسة النقاش المفتوح في مجلس الأمن تحت عنوان “الحفاظ على السلم والأمن الدوليين واحترام مبادئ وأهداف الميثاق” إلى عواقب كل مسعى لفرض مصطلحات جديدة غير توافقية على حساب أحكام الميثاق التي أقرتها الدول الأعضاء وقال: إن ذلك يعني “تقويض التراث القانوني التراكمي للدول الأعضاء وإعادة عقارب الساعة نحو الوراء”.
وانتقد الجعفري التصريحات المنسقة “المقلقة للغاية التي يروج لها الأمين العام وممثلون لدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والمفترض أن تكون مؤتمنة على مبادئ ومقاصد الميثاق” لافتا إلى أن تلك التصريحات تروج لنهج تلك الدول التدخلي وانتهاك مبدأ السيادة بذرائع مختلفة تفتح الباب واسعاً أمام تكرار نماذج لتدخلات عسكرية غير مشروعة شهدها العديد من الدول الأعضاء وأدت إلى زعزعة الأمن والسلم الدوليين وإضعاف الأمم المتحدة وتقويض مصداقيتها.
وقال الجعفري: إن “ممثلي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تناسوا الويلات التي ترتبت على سياسات حكوماتهم على مدى العقود الماضية على دول منطقة الشرق الأوسط والتي تحول المعاناة لدى شعوبها إلى خبز يومي لهم” ابتداء من دعم وتسهيل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة واستخدام امتياز النقض عشرات المرات لحماية استمرار هذا الاحتلال إلى استهداف وتدمير واحتلال العراق ثم ليبيا ومن ثم العمل على تقويض الحكومة الشرعية في سورية كما فعلت سابقاً في دول في أمريكا اللاتينية وحول العالم.
وحذر الجعفري من أن “هذا النمط من التفكير السياسي لدى هذه الدول ينهي ما تبقى من مصداقية ومرجعية للقانون الدولي ويسعى إلى تكرار أخطاء جسيمة مجدداً بدلاً من تقديم الاعتذار عن أخطاء دموية سابقة”.
وأضاف الجعفري: إن “العقود السبعة التي انقضت منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة أكدت الحاجة لإعلاء أحكام الميثاق وضمان احترامه وإصلاح بعض طرائق العمل وتفعيل بعضها الآخر ما يمكن الأمم المتحدة من القيام بالدور الذي أناطته بها الدول الأعضاء للحفاظ على مصداقية المنظمة الدولية وفعاليتها”.
وأكد الدكتور الجعفري أن “الأمم المتحدة اصطدمت خلال مسيرتها بمساعي دول نافذة للهيمنة عليها وتحويلها إلى أداة لخدمة مصالحها وسياساتها غير آبهة بتعارض سياساتها مع القانون الدولي ومبادئ وأحكام الميثاق ومصالح دول أعضاء أخرى” مشيرا في هذا الصدد إلى استمرار عجز الأمم المتحدة عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق الكثير من قرارات الشرعية الدولية وخاصة تلك الداعية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان العربي السوري المحتل وللأراضي الفلسطينية المحتلة وفي مقدمتها القدس وما تبقى من أراضٍ محتلة في جنوب لبنان وإلزام “إسرائيل” بالكف عن سياساتها العدوانية بحق المواطنين العرب الرازحين تحت الاحتلال ودول المنطقة.
كما انتقد الجعفري انتهاج بعض الدول ممارسات التلاعب بأحكام الميثاق وتجاوزها واعتماد الازدواجية في المعايير واستنباط مصطلحات ومفاهيم جديدة للالتفاف على أحكام الميثاق ومبادىء القانون الدولي وقال: “هي مصطلحات ومفاهيم لم تحظ بتوافق الدول الأعضاء والتي تم استخدامها لتبرير تدخلات عسكرية استعمارية دموية في دول بعينها أدت إلى انتشار الإرهاب والفوضى ومعاناة العديد من الشعوب” مشيرا إلى أن التدخل بذريعة حماية المدنيين في ليبيا أسفر عن قتل 150ألف ليبي وتحويل ليبيا إلى بؤرة للإرهاب في العالم.
ودعا الجعفري الأمم المتحدة التي “انتصرت في الحرب العالمية الثانية على “النازية” و”الفاشية” و”العسكرتارية” إلى تكرار انتصارها على المد الإرهابي المتمثل في التنظيمات الإرهابية ك “داعش” و “جبهة النصرة” وغيرهما من الكيانات والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة التي تنشط على الأراضي السورية بما فيها ما يسمى “جيش الإسلام” و”أحرار الشام” و”بوكو حرام” و”حركة تركستان الشرقية” و”إمارة القوقاز” و”أنصار الشريعة” و”حركة الشباب” و”الجماعة الإسلامية” وغيرها” مشددا على أن “أي جهد لمكافحة الإرهاب لن يكتب له النجاح في حال تعارض مع أحكام الميثاق ومبادئ القانون الدولي ودون التنسيق المسبق والتعاون الكامل مع حكومات الدول المعنية وطالما استمر استخدام بعض الدول للإرهاب كأداة لسياستها الخارجية والتغاضي عن ممارسات حكومات الدول الداعمة للإرهاب.
وشدد مندوب سورية الدائم لدى الامم المتحدة على أن “محاولة بعض الدول الأعضاء تبرير تدخلها العسكري في سورية بذريعة مكافحة داعش دون التنسيق مع الحكومة السورية يمثل تشويهاً لأحكام ميثاق الامم المتحدة وتلاعباً سوريالياً رخيصاً بالقانون الدولي سعيا لاستهداف السيادة السورية بما يؤدي إلى إطالة أمد الإرهاب وتبرير استدامته والتغطية على رعاته” مؤكدا في هذا الصدد على أن السبيل الوحيد المجدي لمكافحة الإرهاب يتمثل بإقامة” تحالف دولي فاعل ضمن إطار الشرعية الدولية وبمشاركة الدول المعنية وفي مقدمتها الدولة السورية التي تمثل الطرف الأساسي الذي يتصدى للإرهاب في المنطقة”.
وأشار الجعفري إلى أن الأوضاع التي تشهدها سورية ودول أخرى في المنطقة تعكس الحالة الموءسفة التي وصلت إليها منظمة الأمم المتحدة حيث استغلت بعض الدول الأعضاء منبر المنظمة للتدخل الفج غير المسبوق في الشؤون الداخلية السورية وعملت على التحريض على العنف والإرهاب ونشر الادعاءات الكاذبة وشيطنة الحكومة السورية وتأجيج الأزمة وعرقلة جهود التسوية بهدف زعزعة استقرار سورية والمساس بسياساتها وبخياراتها الوطنية السيادية وتغيير حكومتها الشرعية باستخدام القوة والإرهاب إضافة إلى مسارعة حكومات بعض الدول لفبركة كيانات مصنعة خارجياً والترويج لها بهدف إحلالها مكان الحكومة السورية الشرعية في ظل ادعاءات مضللة وكاذبة سبق استخدامها للترويج لغزو دول أعضاء في هذه المنظمة الدولية ولتغيير أنظمة الحكم فيها بالقوة.
ولفت الجعفري إلى فرض التدابير القسرية الأحادية بحق الشعب السوري وحرمانه من مستلزماته المعيشية اليومية كالغذاء والدواء ووقود التدفئة والعمل على تأجيج الأوضاع لإيجاد مبررات للتدخل العسكري بذرائع إنسانية كاذبة على غرار التجربة الليبية التي ما زال الشعب الليبي الشقيق والعالم بأسره يلمس نتائجها المدمرة حتى الآن.
وانتقد الجعفري عدم تقديم متسببي هذه الخطايا الكبيرة اعتذارا أو تغييرا في سياساتهم الكارثية التي جلبت العار لهم وسفك الدماء لشعوبنا.
وتساءل مندوب سورية الدائم لدى الامم المتحدة.. اين التعهد الذي قطعته بعض حكومات دول أعضاء بالمنظمة لدى انضمامها للأمم المتحدة بالالتزام بالعيش في سلام وحسن جوار مع الدول الأخرى وأين احترامها لمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية بين الدول وحسن الجوار الواردة في قرار الجمعية العامة 2625 لعام 1970 في ضوء قيام حكومات تلك الدول بتجميع المجرمين الإرهابيين المرتزقة الأجانب والتكفيريين المتعطشين للدماء من شتى أنحاء العالم وتسليحهم وتمويلهم وإرسالهم إلى سورية والعراق وتسميتهم زورا وبهتانا بـ “الجهاديين “و”المعارضين المعتدلين” ليؤسسوا كيانهم الارهابي ويجعلوا من سورية قاعدة جديدة لإرهابهم ينطلقون منها إلى دول الجوار والعالم بأسره لا بل إن البعض استمرأ تسمية إرهابيي “داعش” بـ “دولة الخلافة الإسلامية” للإيحاء بأن إرهاب “داعش” هو “مشروع دولة”.
وأضاف: “كيف يتم تفسير صمت الأمم المتحدة عن الانتهاكات الممنهجة المستمرة التي ترتكبها بعض الحكومات لقراراتها الخاصة بمكافحة الإرهاب وفي مقدمتها قرارات مجلس الامن ذوات الأرقام 1267 و1373 و2170 و2178 و2199 و 2253.
واستهجن الجعفري استمرار صمت مجلس الامن وعجزه عن وضع حد لاعتداءات النظامين التركي والسعودي وعدم اضطلاعه بدوره الأساسي لحفظ السلم والأمن الدوليين مشيرا بذلك إلى “تكرار أعمال النظام التركي العدوانية ضد سيادة وسلامة أراضي سورية وتدخل قواته العسكرية مجدداً لدعم الإرهاب الذي يرعاه داخل الاراضي السورية بعد اعتماده مراراً على المرتزقة والإرهابيين الأجانب الذين استقدمهم بالشراكة مع حكومات دول أخرى إلى سورية وقيامه بقصف أماكن تواجد مواطنين سوريين أكراد ومواقع للجيش العربي السوري داخل الأراضي السورية بالمدفعية الثقيلة وإرساله عشرات العربات التي تحمل الرشاشات ومئات المسلحين من القوات التركية والمرتزقة إلى منطقة أعزاز السورية إضافةً إلى استمرار تركيا بالسماح بمرور عصابات مسلحة متطرفة جديدة إلى سورية لدعم تنظيمي “جبهة النصرة” و”داعش” الإرهابيين وغيرهما من التنظيمات الإرهابية التي لحقت بها أضرار جسيمة خلال المعارك” مذكرا بأن “النظام التركي أقدم على تزويد تلك التنظيمات الإرهابية بأسلحة كيماوية لاستخدامها ضد القوات الحكومية والمدنيين السوريين واستخدام ذلك فيما بعد لتوجيه الاتهام للحكومة السورية”.
وأشار الجعفري إلى تزامن هذه الممارسات العدوانية مع دعوات النظام السعودي لتدخل عسكري في سورية بذريعة مكافحة إرهاب /داعش/ الذي أنشأه ورعاه هذا النظام وفكره الوهابي المتطرف.
وتساءل الجعفري في ختام بيانه عن “أي أمن وأي سلم دوليين نتحدث في ضوء صمت المجلس الدولي على هذه الممارسات” معربا عن الألم البالغ لدى عرض هذه الوقائع في ضوء مقتل المئات يومياً في سورية وفي دول أخرى وفي ظل عجز الأمم المتحدة عن مساءلة مشغلي الإرهاب العالمي في استهتار وصل إلى حد غير مسبوق تجلى بتولي النظام السعودي مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وإناطة رعاية حوار الحضارات بقطر واستضافة القمة الإنسانية الدولية بتركيا وإناطة عضوية ترويكا العمل الإنساني في مجلس الأمن بالأردن قبل أن تنتهي عضويته.
وقال الجعفري أشرتم إلى أن “الأمم المتحدة لا تزال أفضل خيار متاح لمواجهة التحديات الكبيرة والمعقدة الماثلة أمام البشرية” ومع أننا نشاطركم هذا الرأي إلا أنه على الأمم المتحدة أن تتدارك الثغرات الكبيرة والاضطلاع بمسؤولياتها تجاه دولها الأعضاء وفقاً للميثاق وتحقيقاً لآمال أبائها المؤسسين.
وكان الجعفري استهل بيانه بالترحيب بترؤس وزيرة خارجية جمهورية فنزويلا البوليفارية الصديقة لهذا الاجتماع المهم موجها التهنئة لها على تولي فنزويلا رئاسة مجلس الأمن للشهر الجاري مجددا دعم سورية لمواقف فنزويلا المشرفة في مجلس الأمن للحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
(المصدر: وكالة سانا للأنباء، بتاريخ 15/2/2015)