أكد مندوب سورية الدائم لدى الامم المتحدة الدكتور بشار الجعفري أن العدوان العسكري الأمريكي والتركي والإسرائيلي على سورية يعنى الانتقال من مرحلة العدوان بالوكالة إلى العدوان بالأصالة لافتاً إلى أن عجز المجتمع الدولي عن إدانة عدوان “التحالف الأمريكي” على مواقع الجيش السوري في دير الزور شكل صدمة كبيرة.
وقال الجعفري خلال جلسة لمجلس الأمن اليوم حول سورية: “ينعقد هذا الاجتماع المهم حول بلادي في توقيت حساس للغاية يشهد اختلالات خطرة تخالف ما كان سائداً من مؤشرات إيجابية في الأسبوع الماضي وذلك بسبب تنصل الولايات المتحدة الامريكية من الاتفاق الذى توصلت اليه مع روسيا الاتحادية في جنيف في التاسع من شهر أيلول الجاري وبسبب غياب الارادة في إجبار المجموعات المسلحة المدعومة من قبل ما يسمى “التحالف الدولي” على الالتزام باتفاق جنيف”.
وأوضح الجعفري أن الصفة الدولية التي أطلقت على هذا “التحالف الامريكي” لا تنطبق على واقع الحال من حيث أن هذا التحالف تشكل خارج إطار الشرعية الدولية ودون قرار من مجلس الأمن ودون تنسيق وتشاور مسبقين مع الجهة المعنية وهى حكومة الجمهورية العربية السورية مضيفاً: “هذا يذكرنا بتحالفات تدميرية أخرى تطرق إليها بعض المتحدثين لم تجلب إلا الكوارث على دول مثل العراق وليبيا واليمن”.
وتابع الجعفري: “عندما قررت الإدارة الأمريكية تدخلها العسكري الجوي أحادي الجانب في بلادي قبل سنتين جاءنا المسؤولون الأمريكيون ونقلوا لنا التزام واشنطن بأن الطيران الأمريكي لن يستهدف الجيش السوري ولا المنشآت الحيوية بل سيستهدف حصراً إرهابيي “داعش” وهذا الكلام قيل لي خصوصاً من مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية الدائمة باسم حكومتها ونقلته إلى حكومتي.. واليوم بعد سنتين من هذا الكلام نسي المسؤولون الأمريكيون التزامات بلادهم ووعودها فصارت الطائرات الأمريكية تقصف قواعد الجيش السوري والمنشآت الحيوية ونشرت أمريكا جنوداً أمريكيين فوق الأرض السورية”.
وأكد الجعفري أن العدوان العسكري الأمريكي في شرق بلادنا والعدوان العسكري التركي في شمال بلادنا والعدوان العسكري الاسرائيلي في جنوب بلادنا يعنى بشكل واضح لا لبس فيه الانتقال من مرحلة العدوان بالوكالة إلى مرحلة العدوان بالأصالة.
وبين الجعفري أن سورية رحبت بالتصريحات الروسية الامريكية الصادرة في 9 أيلول الجاري بعد توصل الطرفين إلى الاتفاق الذى نص على مكافحة تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة” الإرهابيين بمختلف مسمياتها وهو الاتفاق الذى تم بعلم الحكومة السورية وموافقتها.
وقال الجعفري: “غير أن الصدمة الكبيرة التي وقف المجتمع الدولي ممثلاً بهذا المجلس عاجزاً عن التصرف أمامها ولو ببيان إدانة أو مجرد تعبير عن الاستهجان أو القلق تمثلت في العدوان الغاشم غير المبرر الذي شنته الطائرات الحربية الأمريكية والبريطانية والاسترالية والدانماركية على مواقع لوحدات الجيش السوري التي تحارب تنظيم “داعش” الإرهابي في جبل الثردة في محيط مطار مدينة دير الزور وهي وحدات عسكرية تدافع منذ سنين عن عشرات آلاف المدنيين السوريين المحاصرين من قبل تنظيم “داعش” الإرهابي في المدينة” لافتاً إلى أن هذا العدوان العسكري السافر أدى إلى ارتقاء 83 شهيداً وأكثر من مئة جريح من جنود وضباط الجيش العربي السوري.
وأشار الجعفري إلى أن هذا العدوان الذى استمر مدة 50 دقيقة من القصف الجوي والذى سبقه تحليق لطيران استطلاعي مسير استكشف المنطقة على مدى يومين قبل القصف ومهد لفتح الطريق أمام إرهابيي “داعش” للدخول إلى الموقع العسكري المستهدف عمداً قبل أن يتمكن الجيش السوري من استعادته من هؤلاء الإرهابيين مبيناً //أن الأنكى من ذلك أن الجنود والجرحى من جيشنا تعرضوا لضربة جوية ثانية من قبل الطيران المسير أثناء اخلاء مواقعهم في جبل الثردة بعد استهدافه”.
وقال الجعفري: “لقد كانت حكومة بلادي تولى قبل هذا العدوان المتعمد والسافر أهمية كبيرة لمسالة فك الارتباط بين المجموعات الإرهابية تماشياً مع مضمون بيان فيينا 2 بتاريخ 14-11-2015 من حيث العمل على تحديد الإرهابي وغير الإرهابي وتحديد المعارض وغير المعارض ولكن يبدو أن عشرة أشهر لم تكن كافية بالنسبة للبعض لفك طلاسم هذا اللغز المحير ولا سيما أن البعض اصيبوا على ما يبدو بمرض الزهايمر بشكل مبكر”.
وأوضح الجعفري أن دمشق كانت في السياق ذاته تتطلع إلى قيام واشنطن بتنفيذ التزاماتها المقدمة بهذا الخصوص من خلال العمل على وضع حد لسياسات وممارسات أنظمة بعض الدول المعروفة والقائمة على دعم وتمويل الإرهاب سياسياً وإعلامياً ولوجستياً ومالياً وعقائدياً وإلى وقف تدفق الإرهابيين والسلاح والأموال من دول الجوار إلى سورية عبر الحدود واستخدام هذا الإرهاب كسلاح ابتزاز سياسي.
وأشار الجعفري إلى أن الطائرات الاستطلاعية والأقمار التجسسية الأمريكية وأجهزة استخبارات ما يسمى بـ “التحالف الدولي” أخفقت في التمييز بين تنظيم “داعش” الإرهابي ومن يحاربه وهذا ليس بغريب عليهم فهم فشلوا لسنوات طويلة في رصد آلاف العناصر الإرهابية الأجنبية التي استقدمت إلى سورية والعراق من مختلف دول العالم وتسللت عبر الحدود مع تركيا وغيرها من دول الجوار.
وتابع الجعفري: “كما فشلوا في رصد قوافل من العربات المسلحة وآلاف الإرهابيين التابعين لـ “داعش” خلال رحلة طويلة استمرت أكثر من 200 كيلومتر في البادية السورية إلى مدينة تدمر قادمين من قواعدهم الإرهابية في العراق وفشلوا في رصد آلاف الشاحنات التي تسرق النفط السوري وتهربه إلى تركيا كي يتم بيعه إلى “إسرائيل” من اجل تمويل عمليات تنظيم “داعش” الإرهابي وفشلوا في وقف تمويل وتسليح التنظيمات الإرهابية رغم معرفتهم بمصدر ووجهة كل دولار يصل إلى “داعش” و”جبهة النصرة” والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بهما.. أما النجاح الوحيد الذي حققوه فقد كان في فبركة اتهامات باطلة وحوادث مفتعلة وتقارير مسيسة وأفلام مزيفة عن معاناة السوريين لهدف شيطنة الحكومة السورية وحلفائها”.
وقال الجعفري: “من العجيب فعلاً أن ينبري وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية إلى اعتماد شهادة منسوبة إلى ما سماه بشاهد عيان لاحظ وجود تحليق جوي فوق القافلة الإنسانية التي قصفت أمس في شمال سورية.. كان كافياً شهادة هذا الشاهد العيان الذي هو مسلح من المعارضة المسلحة المعتدلة المعدلة وراثياً.. لاحظ هذا الشاهد العيان أن هناك تحليقاً جوياً كان في المنطقة عندما تم قصف القافلة وكان ذلك كافياً كي يطلق السيد كيري اتهاماته ضد الحكومتين السورية والروسية”.
وتساءل الجعفري: هل يمكن أن يلاحظ شخص واحد في منطقة يقطنها مئات ألوف الناس وجود طيران حربي في السماء وتعمى أبصار مئات ألوف الناس الآخرين الذين يعيشون في المنطقة نفسها لافتاً إلى أن مسألة شهود العيان أضحت مثيرة للسخرية ولا سيما عندما نتذكر أن البعض ممن اتهم الحكومة السورية باستخدام الكيميائي استند أيضاً إلى شهادة شاهد عيان من المعارضة المعدلة وراثياً والذي قال أنه شاهد طائرة هليوكوبتر ترمي شيئاً ثم صدر دخان برتقالي وكأنه في تلك المنطقة لا يوجد أحد لديه طائرات هليوكوبتر لا الجيش التركي ولا الجيش الأمريكي ولا الإرهابيون الذين سرقوا بعض طائرات الهليوكوبتر السورية من المطارات.
وقال الجعفري: “على سبيل إنعاش ذاكرة الدول الأعضاء في المجلس سأذكر بعض ما سماه المسؤولون الأمريكيون بالأخطاء لأن هذه التسمية تهين ذكاءنا والجانب الأمريكي على ما يبدو لا يتعلم من أخطائه فقد أخطأت القوات الأمريكية عدة مرات منذ تشكيل ما يسمى “التحالف الدولي” حيث قصفت بالخطأ مدرسة ابتدائية للصم والبكم في مدينة الرقة وألقت بالخطأ فوق مدينة عين العرب مساعدات شملت أسلحة وقنابل يدوية وصواريخ سقطت في أيدي إرهابيي “داعش” كما قتلت بالخطأ مدنيين سوريين قرب مدينة الرقة زاعمة استهداف مصنع للأسلحة تابع لتنظيم “داعش” الإرهابي ثم ارتكبت الطائرات الأمريكية والفرنسية أكبر الأخطاء عندما أدت غارة جوية مشتركة إلى مقتل أكثر من 200 مدني في بلدة منبج قرب حلب”.
وأكد الجعفري أن الاتهامات الباطلة الأخيرة للحكومة السورية وحلفائها في الحرب على الإرهاب بالمسؤولية عن استهداف قافلة مساعدات إنسانية في ريف حلب أتت ضمن سياق حرب إعلامية وسياسية قذرة لا سابق لها من أطراف معروفة ما زالت تستغل معاناة الشعب السوري لهدف وحيد فقط هو الدعاية الإعلامية الرخيصة والابتزاز السياسي لتحقيق أجندات لا تحمل أي اعتبار لما يدفعه الشعب السوري من ثمن باهظ نتيجة إصرار الأطراف ذاتها على إطالة أمد الأزمة وإقصاء أي آفاق لحل لا ينسجم مع أجنداتها السياسية.
وبين الجعفري أن سورية حذرت وما زالت تحذر من محاولة بعض القوى الإقليمية العمل على نسف الاتفاق الروسي الأمريكي الأخير منذ الإعلان عنه وحتى قبل دخوله حيز التنفيذ وقال: “في هذا الخصوص ألفت عناية مجلس الأمن إلى الاعتداءات الإسرائيلية السافرة على الأراضي السورية طيلة الأسابيع الماضية والتي ارتفعت وتيرتها بشكل خطير منذ الإعلان عن التفاهم الروسي الأمريكي على محاربة تنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي والجماعات الإرهابية الأخرى المرتبطة به مثل لواء “شهداء اليرموك” وذلك في ظل صمت مريب من جانب إدارة عمليات حفظ السلام على الرغم من أننا أرسلنا إليكم وإلى وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام عشرات الرسائل حول مساعدة “إسرائيل” للإرهابيين من تنظيم “جبهة النصرة” في خط الفصل في الجولان وعلاج مصابيه في المشافي الإسرائيلية”.
وأضاف الجعفري: “في الوقت ذاته ألفت عناية مجلس الأمن إلى قيام سلاح الجو والقوات البرية التركية بعمليات حربية غير شرعية فوق الأراضي السورية وداخلها بذريعة ضرب تنظيم “داعش” الإرهابي دون التنسيق مع الحكومة السورية وقيادة العمليات الروسية وهو ما يشكل بمجمله جريمة عدوان على سورية وفق ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي وحيثيات عمل مجلس الأمن كما يشكل خرقا لسيادتنا وحرمة أراضينا ويتوازى ذلك مع تصريحات المسؤولين الأتراك بعزم حكومتهم إدخال مواد يدعى بأنها مساعدات إنسانية إلى مدينة حلب دون التنسيق مع الحكومة السورية والأمم المتحدة”.
وجدد الجعفري التأكيد على أن سورية مستعدة لاستئناف الحوار السوري السوري دون شروط مسبقة وفقاً للقرارات والتفاهمات والأسس التي قام عليها هذا الحوار منذ البداية من أجل الوصول إلى حل سياسي يقرر فيه السوريون وحدهم دون تدخل خارجي مستقبلهم وخياراتهم وبقيادة سورية وبما يضمن سيادة سورية وحدة وسلامة أراضيها كاملة مشدداً على أننا “لن نسمح أبداً أن يتم تحويل بلادنا إلى ليبيا أخرى وإلى عراق آخر أبداً”.
وأكد الجعفري أن نجاح أي مسار سياسي في سورية يتطلب الانخراط والتعاون والتنسيق التام مع الحكومة السورية بوصفها الشريك الأساسي في مختلف الجوانب والملفات المتعلقة في هذا المسار إذا لا يمكن أن يكتب النجاح لأي لجنة أو اجتماع أو مؤتمر يعقد من أجل إيجاد حل للأزمة في ظل استمرار توجه بعض الأطراف الدولية عن قصد أو غير قصد إلى تغييب الحكومة السورية أو استبعادها أو التشكيك بتعاونها مع الأمم المتحدة أو تشويه نجاحاتها في تحقيق المصالحات الوطنية القائمة على تخلي المسلحين طوعاً عن أسلحتهم وتسوية أوضاعهم والعفو عنهم وحتى مغادرتهم إلى مناطق أخرى بما يضمن عودة الحياة الطبيعية إلى المناطق التي يخرج منها هؤلاء المسلحون واستئناف إصلاح الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة بجميع أشكالها.
وختم الجعفري كلامه بالتساؤل: هل يمكن لمئات المجموعات المسلحة وعشرات آلاف الإرهابيين أن يستمروا في إرهابهم ضد الحكومة والشعب والجيش والبنى التحتية في بلادي لمدة خمس سنوات ونيف دون دعم خارجي قائلاً: “أليس هذا السؤال مشروعاً.. أليس المطلوب أن يعترف البعض بهذه الحقيقة بدلاً من التضليل بأن ما يجري في سورية إنما هو حرب أهلية”.
(المصدر: وكالة سانا للأنباء، بتاريخ 22/9/2016)