ما كانت واسطة العقد الجغرافية الحضارية المقاومة تريد يوماً إلا الوجود السيادي في المجتمع الدولي، والعلاقات الدبلوماسية المتوازنة بين حقوقها وواجباتها في هذا المجتمع، وألا تكون وجهة للطامعين وعشاق الموت والدم والتدمير.
ومع تصاعد واشتداد حدّة سريان العمل على تنفيذ المشروعات الاستعمارية المعدّة لتلك المنطقة من العالم، كانت سورية واحدة من الدول المطموع في جغرافيتها وقدراتها، وخيراتها، وتوسطها الفريد بين القارات العابرة للمصلحة الاقتصادية والتي يرغب في التعدي عليها أيّ هدف استعماري يطول المنطقة.
اليوم، وبعد سنوات ستٍ تقريباً من عمر الحرب الاستعمارية على سورية، دفعت فيها الأرواح، وكثرت التضحيات، في مواجهة أبشع مشروع استعماري خطّطه الغرب للمنطقة، وسورية تحديداً، لم نر سورية إلا تلك الدولة التي ما زالت تلملم جراحها، وتقف كالطود الشامخ في مواجهة الساعين إلى «إركاعها»، وكسر عنفوان مقاومتها، عندما تركوا العنان للإرهاب العالمي المصنوع، غربياً وعربياً، في التغلغل إلى مدنها وأزقتها وحاراتها، يحدوه الأمل بـ«إسقاطها»، وتدميرها، و«النيل» من عزيمتها، وقوة صمودها التي فاقت التوقعات بتلاحم ثالوثها: الشعب والجيش والقيادة.
مَنْ كان يسمع صوت سورية كان يعرف أنها لا تريد من هذا المجتمع الدولي بمنظماته، ومجالسه، إلا العمل على مكافحة الإرهاب، والعمل على إيقاف تمدّده، بقطع تمويله، وعدم مساعدته أو تدريبه أو تسهيل مروره، وكل من يتعاون معها في مثل هذا العمل هو، حكماً ونتيجةً، معها في الخندق المقاوم نفسه، هذا الخندق الذي يحمي ليس فقط دول المنطقة من خطر الإرهاب، وإنما يحمي العالم كله من انعكاسه على أراضيه، فكراً، وإرهاباً ودماءً، وممارسات لا يعرف فيها أمثال هذه التنظيمات الإرهابية إلا جزّ الرؤوس، وتقطيع الأجساد، والإعادة إلى بداية التاريخ وعصور الظلام.
ومن هنا، نرى أن لغة العمل على المكافحة الخاصة بالتنظيمات الإرهابية، هي لغة يجب أن يفهمها كل من يمثّل وجه العالم الحضاري والأخلاقي.. ومَنْ يفهم هذه اللغة وضرورة وضعها حيز التنفيذ، هو في النتيجة، يقف معنا في التصدي للإرهاب حمايةً لما يمثله البعد الإنساني، فالإنسان الذي هو محور حضارات العالم وصانع مجدها وعراقتها، والقادر على إعادة بنائها من جديد بعد أن خرّبها الإرهاب، ودكّ أسس وجودها.. هو الحالة المقدسة التي على الغرب مدّعي «الحضارة والإنسانية» الحفاظ عليه، من انتكاسات التطرف، والفكر الإرهابي الذي أقام الحدّ، من دون وجه حق، و«تأخون» سياسياً ليكون في مقلب مَنْ يحاسب ويطمع، وليكون تالياً أداة في يد الغرب الطامع وتطلعاته الاستعمارية في مشروعاته التقسيمية المرسومة لسورية والمنطقة.
وعندما أتوقف عند سؤال.. ماذا تريد سورية؟ فإن كل متابع، ومفكر، ومقاوم، وعاقل، يعرف أن دورها في مكافحة الإرهاب مع حلفائها، تخطّى حدود الدول الصانعة له، وصار لزاماً على كل مَنْ راهن على الإرهاب «المتأخون» سبيلاً لتنفيذ الأجندات الاستعمارية، وهدفاً لإسقاط الدول ذات السيادة وزعزعة استقرارها، ونهب اقتصادها وخيراتها، أن يعيد حساباته، وينضوي تحت لواء العمل السريع على إسقاط الإرهاب الأسود، وإنهاء وجوده، والعمل على وأده، وإلا ستكون العاقبة الوخيمة المرتدة، كبيرة التأثير، وعميقة المفعول، لأن الإرهاب لا يخدم إلا مصالحه.
وعندها يصحّ على الغرب القول المأثور: يداك أوكتا وفوك نفخ.. ودعوة سورية للمجتمع الدولي للضغط على الدول المنخرطة في دعم ورعاية التنظيمات الإرهابية لتكف عن النفخ في القربة التي فقدت الهواء الذي نفخها، لأنها لن تحصد إلا الخيبة والإرهاب والدم والدمار!
(المصدر: وكالة سانا للأنباء، بتاريخ 24/11/2016)