استخدمت روسيا والصين اليوم حق النقض “الفيتو” ضد مشروع قرار غربي في مجلس الأمن يتضمن فرض عقوبات على سورية.
ونال مشروع القرار الذي صاغته بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة تأييد تسع دول مقابل معارضة روسيا والصين وبوليفيا في حين امتنعت كازاخستان وإثيوبيا ومصر عن التصويت.
وأكد القائم بالأعمال بالنيابة لوفد سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الوزير المفوض منذر منذر في كلمة له خلال جلسة للمجلس حول مشروع قرار فرض عقوبات على سورية.. إن سورية لا يمكن أن تستخدم الأسلحة الكيميائية ولا تؤمن أخلاقياً باستخدامها وهي تعاونت مع لجان التحقيق وبينت لها بالأدلة قيام المجموعات الإرهابية بفبركة الادعاءات مشدداً على أن الحكومة السورية ترفض رفضاً تاماً الاتهامات الواردة في تقارير آلية التحقيق المشتركة وتؤكد استمرارها في تنفيذ جميع تعهداتها التي التزمت بها حين انضمامها إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.
وقال منذر.. إن “مندوبي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا غير معنيين بالوصول إلى الحقيقة بقدر ما هم معنيون بخدمة أجنداتهم وادعاءاتهم.. والسؤال المهم.. ما الجدوى الاستراتيجية وراء استخدام السلاح الكيميائي ضد عدد محدود من المسلحين ولاسيما أن الأسلحة التقليدية تؤدي إلى نفس النتيجة وأكثر.. ولماذا لم تستخدم سورية الأسلحة الكيميائية عندما قامت المجموعات الإرهابية بمهاجمة المطارات والمدن الكبيرة والقواعد العسكرية في أماكن كثيرة من سورية”.
وأضاف منذر.. إن “المجموعة الثلاثية داخل مجلس الأمن تعبر من جديد بتقديمها لمشروع القرار وبما سمعناه من مندوبيها عن السقوط الأخلاقي والقانوني والسياسي وعن أنها غير مهتمة فعلا بالشعب السوري وبتخفيف آلامه والدليل أن هذه الدول بدلا من دعم العملية السياسية الجارية حاليا في جنيف تسعى إلى تسميم الأجواء الدولية وعرقلة أي جهد حقيقي لتوصل السوريين إلى حل سياسي دون أي تدخل خارجي”.
وأشار منذر إلى أن الجمهورية العربية السورية انضمت إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية إيماناً منها بالسعي لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من كل أسلحة الدماء الشامل مضيفاً.. “المفارقة أن هذا السعي يواجه إلى اليوم معارضة الدول الثلاث التي تقف وراء مشروع القرار لا لشيء إلا لحماية الترسانة النووية والكيميائية والبيولوجية لإسرائيل”.
ولفت منذر إلى أن الحكومة السورية حذرت مراراً وتكراراً من خطورة استخدام المواد الكيميائية كسلاح ضد المدنيين من الجماعات الإرهابية المسلحة ولاسيما تلك المرتبطة بتنظيمات “داعش” و”جبهة النصرة” و”القاعدة” ووجهت 87 رسالة إلى مجلس الأمن ولجنة القرار 1540 وإلى المفوض الأعلى لشؤون نزع السلاح وآلية التحقيق المشتركة ولجان مجلس الأمن المختصة بمكافحة الإرهاب تضمنت معلومات موثقة عن تورط حكومات ودول معروفة في تقديم مواد كيميائية سامة للجماعات الإرهابية المسلحة لاستخدامها كسلاح ضد المدنيين إلا أن تلك الجهات الأممية تعمدت تجاهل هذه المعلومات بل لم تكلف نفسها حتى الآن عناء التحقيق فيها.
ولفت منذر إلى أن مشروع القرار تجاهل حقيقة أن الجمهورية العربية السورية قامت بتسليم كل ما لديها من مواد كيميائية سامة إلى مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وتم إحراق هذه المواد في بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية وعلى متن سفن الولايات المتحدة الأمريكية في البحار.
وأضاف.. “لقد نفت الحكومة السورية على نحو دائم ومتكرر جميع الادعاءات التي روجت لها بعض الدوائر الغربية وأدواتها حول استخدام جهات رسمية سورية لمواد كيميائية سامة كغاز الكلور خلال الأعمال العسكرية التي تدور بين القوات المسلحة العربية السورية والمجموعات الإرهابية” مشيراً إلى أنه انطلاقا من التزامها بمبدأ الشفافية فقد تعاونت الحكومة السورية بشكل تام مع كل متطلبات التحقيق الذي أجرته لجان دولية منذ عام 2014 وحتى الآن وقدمت لها كل التسهيلات اللازمة لإجراء تحقيقات نزيهة وذات مصداقية كما بينت لها بالأدلة العلمية وشهادات الشهود قيام بعض الجماعات الإرهابية بفبركة هذه الحوادث وتزييفه.
وقال منذر.. “إن سورية تأسف وتستنكر إصرار بعض الدول الأعضاء في هذا المجلس على الاستمرار في عملية الاستغلال السياسي الرخيص لتقارير هيئات الأمم المتحدة ولجانها المختلفة وعدم إعمال أي نوع من أنواع المحاكمة المنطقية والعلمية عند دراسة هذه التقارير” مضيفاً “إن آلية التحقيق المشتركة عجزت عن تقديم أي دليل مادي وحقيقي على وجود استخدام لغاز الكلور بل إن طرائق العمل التي اتبعتها الآلية شابها الكثير من العيوب وفي مقدمتها فقدان المهنية وعدم الالتزام بالمعايير المحددة من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في إجراء التحقيقات وجمع الأدلة وفحصها”.
وقال منذر.. “إن آلية التحقيق المشتركة أقرت صراحة بأن الجماعات الإرهابية المسلحة قامت بنقل وتحريك الأدلة المادية من مكان إلى آخر وصورت الحوادث المزعومة بعد ايام من وقوعها دون أن تحاول الآلية تحليل الدوافع وراء هذه الممارسات والتي تهدف بشكل واضح إلى تزييف الحقائق وفبركة اتهامات بحق الحكومة السورية”.
واختتم منذر كلمته بتوجيه الشكر باسم الحكومة السورية للوفود الصديقة التي صوتت اليوم ضد مشروع القرار وهي روسيا والصين وبوليفيا والتي امتنعت عن التصويت مصر واثيوبيا وكازاخستان التزاماً منها بسيادة مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وإيمانا منها بأن مثل هذه القرارات تؤثر في مصداقية العمل الدولي ومؤسساته وتهدد الأمن والسلم الدوليين وتزيد من معاناة الشعوب جراء العقوبات الاقتصادية.
من جهته قال نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فلاديمير سافرونكوف في كلمة ألقاها بعد التصويت على مشروع القرار إن “استنتاجات الخبراء حول مزاعم استخدام الحكومة السورية أسلحة كيميائية ضد المدنيين عامي 2014 و2015 قائمة على وقائع مريبة”.
وتؤكد العديد من التقارير الإعلامية حصول التنظيمات الإرهابية على معدات ومواد إنتاج المواد الكيميائية والغازات السامة بتسهيلات من النظام التركي الإخواني حيث أكد عدد من البرلمانيين الأتراك أن التنظيمات الإرهابية في سورية ومنها “داعش” و”جبهة النصرة” وغيرهما حصلت على غاز السارين من تركيا واستخدمته فى أماكن مختلفة من سورية.
وأضاف سافرونكوف “إن المشكلة تكمن في أن عمل الخبراء يقوم على معلومات مريبة تقدمها المجموعات المسلحة والمنظمات الدولية غير الحكومية الداعمة لها إضافة إلى وسائل الإعلام وما يسمى أصدقاء سورية” مشيراً إلى أن “مطالب دمشق بإجراء تحقيق موضوعى تواجه إهمالًا الأمر الذى أظهره بوضوح تقرير بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية الخاص بتحديد الحقائق بشأن هذا الموضوع”.
واعتبر الدبلوماسي الروسي أن المعطيات المتوافرة لدى الجهات التي بادرت بطرح مشروع القرار هذا “لا تتضمن حقائق دامغة يمكنها أن تكون أساساً لأي اتهامات”.
وتابع سافرونكوف إن “معدى القرار لا يأخذون بعين الاعتبار أنه علاوة على تنظيم داعش الإرهابي فإن تنظيم جبهة النصرة الإرهابي وفصائل ميدانية كثيرة أخرى تستخدم أيضا المواد السامة بشكل نشيط في سورية بما في ذلك لأغراض استفزازية من أجل تشويه صورة الحكومة السورية وقواتها المسلحة”.
من جهته أكد ليو جيي مندوب الصين الدائم في الأمم المتحدة في كلمته.. أنه على مجلس الأمن أن يضع في حسبانه قبل أي إجراء ضد سورية ضرورة الحفاظ على وقف الأعمال القتالية وإيجاد حل سياسي للأزمة والعمل على مكافحة الإرهاب وتقديم المساعدة الإنسانية للشعب السوري وتحقيق الاستقرار في سورية.
وقال المندوب الصيني.. “إن مشروع القرار الذي صوت عليه المجلس الآن يبين أنه لاتزال هناك خلافات بين أعضائه بشأن المسألة الكيميائية في سورية وقد تم إجبارنا على التصويت على هذا المشروع رغم استمرار الخلافات بشأنه إضافة لكونه غير مؤات لخدمة العملية السياسية الجارية في جنيف ولا للعملية السياسية بأكملها.
وأضاف جيي.. إن الصين تسعى جاهدة لإيجاد تسوية للأزمة في سورية ونحن على يقين بأن الأمم المتحدة يسرت إمكانية إيجاد تسوية بين كل الأطراف وسنواصل الاضطلاع بدور بناء لإيجاد حل سياسي لهذه الأزمة.
ودعا مندوب الصين كل أعضاء المجلس أن يتفكروا مليا بالأزمة في سورية والشرق الأوسط وبالأسباب التي أدت إلى تدهور الوضع إلى ما هو عليه الآن وفي الدور الذي اضطلع به كل من الأعضاء وهل كان دوراً إيجابياً يستحق الإشادة أم لا وقال.. “بهذا فقط سنعمل بمسؤولية تجاه الشعب السوري وشعوب المنطقة” مشيراً إلى أن الدفاع عن الشعب الآن فقط ليس إلا نفاقاً مطلقاً.
ولفت الدبلوماسي الصيني إلى أن كل أعضاء مجلس الأمن يتحملون مسؤولية مقدسة تتمثل في صون السلم والأمن الدوليين ويحق لكل الأعضاء أن يكون لهم موقف وطني استنادا إلى مبادئ ومقاصد الميثاق وأي هجمات على أي بلد بحد ذاته يمثل إجراء غير مسؤول.
بدوره عمرو أبوالعطا مندوب مصر في الأمم المتحدة أكد في كلمته خلال الجلسة أن مشروع القرار تجاهل لأسباب غير مفهومة أحد أهم الأركان الرئيسية في التحقيق وهي الأدلة ما يجعله إجراء مسيس.
وقال أبوالعطا.. “فوجئنا بأنه قد تم القفز على الخطوات المعهودة بالمجلس حيث يحمل المشروع المطروح في مرفقاته قائمة معدة سلفا بالكيانات والأفراد التي سيتم توقيع العقوبات عليها”.
وتابع أبوالعطا.. إننا نرى في ذلك خطوة استباقية لتقارير لجنة التحقيق المشتركة التي لم توجه الاتهام للأسماء الواردة في القائمة المرافقة كذلك تجاهل مقدمو المشروع تقديم أي نوع من الأدلة أيا كانت على مسؤولية هؤلاء وحتى إعطاء الفرصة للجنة العقوبات التي من المفترض أن تنشأ وفقا لنفس المشروع للتحقق من تلك الاتهامات وهو ما يتناقض مع أبسط مفاهيم الشفافية فيما يتعلق بالمعلومات ومصادرها.
وأعرب أبوالعطا عن أسفه الشديد ودهشته من الإصرار على طرح مشروع القرار رغم إدراك جميع الأعضاء أن مصيره هو الفشل وأن هذا الفشل قد يؤثر في قوة الدفع الحالية بالعملية السياسية القائمة في جنيف داعيا أعضاء مجلس الأمن إلى إيلاء الاهتمام اللازم بمسألة إخلاء كامل منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل من خلال مقاربة شاملة.
وفي تصريح للصحفيين عقب الجلسة انتقد سافرونكوف هوس الغرب باستهداف الحكومة السورية وتغييرها مؤكداً أن هذا الهوس “يتداخل مع قدرة الغرب على التفكير بوعي بشأن الحل السياسي للأزمة في سورية”.
وقال سافرونكوف.. اليوم استخدمت روسيا والصين حق النقض “الفيتو” ضد مشروع قرار غربي يتضمن فرض عقوبات على سورية.. إن “الهوس بهذا المشروع جيوسياسي المدمر لا يزال يعوق التفكير بوضوح واتخاذ قرارات واعية من أجل تحقيق تسوية سياسية ليس فقط في سورية بل أيضا في العديد من بؤر التوتر الأخرى في الشرق الأوسط” مضيفا إنه “تأكد الانطباع بأن واضعي النص الذي طرح للتصويت اليوم كانوا يحتاجون إلى آلية مشتركة للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية لغرض وحيد فقط يتمثل بتحميل الحكومة السورية المسؤولية فقط”.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد في وقت سابق اليوم أن مشروع القرار الغربي المقدم لمجلس الأمن حول فرض عقوبات على سورية بذريعة استخدام أسلحة كيميائية فكرة غير مناسبة وروسيا لن تدعمها”.
(المصدر: وكالة سانا للانباء، بتاريخ 1/3/2017)