قبل 25 عاماً، أعلنت المناطق الواقعة ما وراء نهر نيسترو في جمهورية مولدوفا الحرب على الحكومة المركزية في كيشيناو. وعلى محطات التلفزيون الغربي يعرض العكس. ومع ذلك، لم يفهم أحد أي شيء وعلى الفور تم استدعاء الصيغ الرسمية أو التي أعدت لمثل هذه اللحظات. في عام 1992، كان سفراء جمهورية مولدوفا متواجدين في موسكو. وحينها كانت لاتزال المبادئ القديمة الجيوسياسية تعمل بحيث أنه على مسافة 1300 كم، بدت العاصمة الروسية أقرب من بوخارست الواقعة على مسافة ثلث هذا الطريق. في عام 1991، انفصلت 15 من الجمهوريات السوفيتية بالتتابع، وأعلنت استقلالها. وقد شرعت مولدوفا هذه الخطوة في 27 آب عام 1991.
وهكذا، عندما انتفض متمردو شرق ترانسنيستريا ضد المركز الجديد في كيشيناو، حيث جمهورية مولدوفا غدت دولة مستقلة في وقت مبكر. في الجزء الشرقي من الجمهوريات السوفيتية السابقة وعلى مدى عقود، اكتسبت الحكومة السوفيتية القوة الاقتصادية وكذلك العسكرية بحيث عندما قررت المناطق الواقعة هناك أن تنفصل بعيداً عن الدولة المستقلة حديثاً كانت أقوى بكثير من جمهورية مولدوفا بأكملها. وعلاوة على ذلك، في مناطق المتمردين خلف نهر نيسترو كانت تتمركز قوات الجيش الرابع عشر السوفيتية السابقة، التي كانت تابعة للاتحاد الروسي. وكانت جيشاً قوياً، مع جميع المعدات الموروثة من فترة الحرب الباردة.
هذه الوقائع، أما الرأي العام في الخارج فقد فهم بصعوبة أن مجموعة من الدبابات والأسلحة الثقيلة غير التابعة لجمهورية مولدوفا وانما لانفصاليين يريدون تخريب الجهود الرامية إلى تقويض الجهود الرامية إلى تعزيز جمهورية مولدوفا الدولة الفتية. وعلاوة على ذلك، كان جيش كيشيناو يكاد يكون غير موجود بحيث قام متطوعون من مختلف أنحاء البلاد بمواجهة الدبابات وقتالها. وبعد وقف العمليات العسكرية، تم التوصل إلى حالة الأمر الواقع التي استمرت لمدة ربع قرن. وبعبارة أخرى، أصبحت ترانسنيستريا صراعاً مجمداً مثل العديد من الصراعات الأخرى في الفضاء السوفياتي السابق. وفي كل هذا الوقت وضعنا جميعاً بمواجهة أمر واقع.
ولاتزال أراضي اقليم شرق جمهورية مولدوفا خارج اختصاص كيشيناو، وتشكل لنفسها دولة، بقيادة ورئيس وبرلمان وحكومة وجيش. لم يتم اختراع هذه الصيغة وانما تم تطبيقها في ترانسنيستريا، منذ 25 عاماً. وبأحجام أكبر من ذلك بكثير، فإن ظاهرة الأمر الواقع هذه، التي يسميها الغرب بلطف الصراعات المجمدة، يجري بناؤها الآن في شرق أوكرانيا. احتلال شبه جزيرة القرم وتفشي بؤر النزاعات التي اندلعت حينها في جنوب اوكرانيا تصف على الخريطة السيناريو الذي وضع روسيا في ترانسنيستريا. وبالعودة إلى الوراء في الوقت والتاريخ، نتذكر أنه في عام 1940، اقتطع ستالين ببساطة من مملكة رومانيا الأراضي الواقعة بين بروت ونيسترو. وعلى الفور تم له بتر الشمال والجنوب، ومنحه لأوكرانيا السوفيتية وحصل منها على شريط ترانسنيستريا الذي ألصقه بإقليم مأخوذ من رومانيا، وخلق ما يسمى الجمهورية الاشتراكية السوفياتية المولدوفية.
وتعني كلمة ترانسنيستريا، في جميع اللغات، الأرض الواقعة ما وراء نهر نيسترو، بالمقارنة مع الغرب، باتجاه أراضي مولدوفا. وبالمناسبة، فإن ترانسنيستريا هي الفضاء الواقع على اليسار، الشرقي لنهر نيسترو، حيث يعيش المولدوفيين منذ القدم. وجدت ترانسنيستريا أيضاً في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين، كجمهورية ذات حكم ذاتي كما كان هناك الكثير مثلها في الامبراطورية السوفياتية. وكانت بالواقع تشكل مختبراً سوفيتياً ضخماً يعد لأخذ باسآرابيا، على شكل استعادة مولدافيا السوفياتي. وفي ترانسنيستريا التي تعود لسنوات 1918-1940 تم عمل التجسس ضد رومانيا وأعدت انتفاضات مسلحة، قائمة على تسلل بهدف التخريب، في حين اضطر اللغويون الشيوعيون إنشاء ما يسمى باللغة المولدوفية، ذات الأبجدية السيريلية.
بعد عام 1940، عندما حصل ستالين على باسآرابيا، عبر الإنذار الأخير التي فرض على رومانيا، تم تنفيذ جميع هذه الخطط. وتم إلصاق ترانسنيستريا بالأراضي السوفيتية الجديدة بسرعة بالقوة وبالإبعاد الشامل للسكان المحليين الرومانيين. الصور النمطية التي تم تكوينها من الحكم السوفياتي عملت بعد بداية النزاع الذي اندلع في ترانسنيستريا، حيث جرى إبعاد رومانيا عن جهود تسوية الصراع. كانت رومانيا البلد الذي انفتح على الغرب، نحو الديمقراطية والحرية، التي، بطبيعة الحال، لا تناسب أتباع السوفييت، المجمدين ضمن عقلية الصراع وهيمنة الانقسام.
(المصدر: موقع راديو رومانيا الدولي بتاريخ 19/03/2017)