ألقى الرئيس الروماني السيد كلاوس يوهانيس يوم الاثنين بتاريخ 2/12/2019 كلمة في قصر البرلمان، في الاجتماع الرسمي المشترك لمجلسي البرلمان الروماني (الشيوخ والنواب) المخصص للاحتفال باليوم الوطني لرومانيا.
ونورد فيما يلي نص الخطاب:
السيد رئيس مجلس الشيوخ،
السيد رئيس مجلس النواب،
السيد رئيس الوزراء،
قداسة البطريارك،
صاحب السمو،
سيداتي سادتي أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب،
سيداتي وسادتي أعضاء الحكومة،
أصحاب السعادة الدبلوماسيون،
سيداتي وسادتي،
أعزائي الرومان،
بعد مرور 30 عاماً على سقوط الشيوعية واستعادة حريتنا، نحتفل اليوم بالعيد الوطني ونفكر بالأجيال التي جعلت وجود رومانيا اليوم ديمقراطية وأوروبية.
ويمثل الاتحاد الروماني العظيم منذ عام 1918 التعبير عن الجهد الجماعي للأمة لتحويل حلم الوحدة إلى حقيقة.
ولقد أدت عوامل أساسية مثل بطولة الجنود الرومانيين ورؤية العائلة الملكية ومهارة السياسيين والمشاركة الحاسمة للنخب في ذلك الوقت، وقرار الأقليات القومية وبشكل خاص مساهمة الرومانيين البسطاء إلى تحقيق هدف الاتحاد الغالي.
وفتح الاتحاد العظيم في القرن الماضي المضطرب الطريق أمام الإصلاحات والتحديث والتنميةفي رومانيا و التي انتهت فجأة بالحرب العالمية الثانية وتثبيت الديكتاتوريات في المنطقة. وانتهى بفناني الاتحاد الروماني في السجون الشيوعية على وجه التحديد لأنهم رفضوا التخلي عن إيمانهم برومانيا الحرة والمستقلة وذات السيادة. لذلك نحيي اليوم ثناءً وتقديراً لجميع أجدادنا الذين ضحوا بأنفسهم من أجل نشر الأمة الرومانية وزادوا مع كل جيل، من خلال العمل الجاد والدم، عملهم المجيد هذا، لكي ننظر نحن وأطفالنا بالثقة في المستقبل.
ودفاعاً عن مبادئ أمتنا الأوروبية، فقد العديد من الرومانيين حياتهم في الحروب أو في ظل سنوات الديكتاتورية الصعبة. الرومانيون هم الذين ضحوا بأرواحهم على جبهات القتال وفي مسارح العمليات في جميع أنحاء العالم للدفاع عن مصالح رومانيا، وحتى في السجون الشيوعية أو في الأيام الدامية من ثورة كانون الأول من عام 1989.
من واجبنا أن نبقي جميع هؤلاء الأبطال في ذاكرتنا دائماً وأن نلتزم التزاماً قوياً بأننا لن نسمح مرة أخرى أبداً بانتهاك الحقوق والحريات الفردية وتحويل تضحياتهم إلى شخرية.
وكانت الحرية والمساواة والديمقراطية والمبادئ المنصوص عليها في قرار الجمعية الوطنية في (ألبا يوليا – Alba Iulia) في 1 كانون الأول 1918 ضمن في أساس الدولة الجديدة وتمثل، في الوقت نفسه وحتى الآن، المثل العليا التي مات الرومان من أجلها في السجون الشيوعية وفي ثورة كانون الأول ’89.
إن ماضينا هو واحد مليء بالتناقضات. من ناحية، لدينا لحظات رائعة، وشخصيات رمزية لعبت دوراً أساسياً في تحديث وتحول رومانيا إلى الأحسن، ومن ناحية أخرى لدينا إرث شاق ومؤلِف تمثله سنوات الديكتاتورية الصعبة التي أتت بتدمير الديمقراطية وسيادة القانون، وقتل الكرامة الإنسانية، وتقليص الحقوق الأساسية، والسياسات الجنائية، والتضليل، والتعذيب والكثير من المعاناة.
إن أعمال أجدادنا الشجاعة وتصميمهم والشجاعة التي قاتلوا بها من أجل تحقيق الأهداف الوطنية والتضحية في ساحات القتال، والقوة الاستثنائية التي عارضوا فيها الأنظمة الإجرامية في القرن العشرين، يجب أن تكون نماذجنا ودليلينا في جميع أعمالنا على أرض الواقع التي نتعهد بها لصالح بلدنا.
ومن ناحية أخرى، يجب أن تكون الفظائع والإساءات التي ارتُكبت خلال فترة النظام الشيوعي درساً هاماً للغاية، وأن نكون صادقين وأن نتعلم أن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان هي أهم الأصول التي لدينا والتي يجب أن نحارب لأجلها باستمرار وبكل القوة.
ويمكن لأي اعتداء على الكرامة الإنسانية وسيادة القانون الذي لا يتم إلغاؤه على الفور وبفعالية أن يفتح الطريق أمام الانتهاكات الأخرى العيدية في أي وقت.
وهناك مخاطر وستكون موجودة دائماً ولكن حقيقة أن لدينا مجتمع ناضج ومتيقظ، ومواطنين لديهم إحساس مدني قوي، والذين يعرفون حقوقهم والذين لا يترددون في القتال من أجلها، هو ضمان أساسي لمستقبل رومانيا الديمقراطي.
ولقد مرت العقود الثلاثة التي انقضت منذ ثورة كانون الأول 1989 بمرور فترة انتقالية صعبة، لكن حقيقة أن رومانيا هي اليوم عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ولديها شراكة استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية، تثبت بشكل واضح أن الأساس الذي بنيناه في تلك السنوات قوي وأن لدينا ديمقراطية فاعلة.
سيداتي سادتي، أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب،
نترك وراءنا سنة انتخابات مليئة بالأحداث. على الرغم من أننا واجهنا العديد من التوترات والصراعات، مع الاستغلال السياسي للمواضيع الحساسة ومحاولات تعميق العيوب في المجتمع، إلا أن المكسب الكبير هذا العام هو أن الرومانيين، بتصويتهم، قد صرحوا وبوضوح أنهم يريدون رومانيا المؤيدة لأوروبا، ترتبط بقوة بقيم الديمقراطية وسيادة القانون، وهي بلد مزدهر، يتمتع بنظم عامة فعالة، وعدالة مستقلة وطبقة سياسية في خدمة المواطنين.
ومن خلال الخيار المعبر عنه في الاستفتاء، وفي الانتخابات الأوروبية والرئاسية من هذا العام، صوت الرومان بعدم نسيان مَن نحن وإلى أين نريد أن نذهب. يا له من صلة أقوى بالمثل التاريخية والتي نحتفل بها هذه الأيام! يا له من هذا التأكيد الثابت لهويتنا الوطنية!
بفضل كل هذه الانتصارات الواضحة القوية للتصويت الديمقراطي لهذا العام الأول من القرن الثاني لوجود بلدنا، أثبتنا، ودون أي خداع، أن الرومانيين، على الرغم من الظروف الصعبة، هم أوروبيون حقيقيون ويتقاسمون نفس المبادئ والقيم والمعالم مثل المواطنين الآخرين في قارتنا القديمة.
وأود أن أنقل اليوم من المنبر الأكثر تمثيلا للديمقراطية، أمنياتي الحارة إلى الرومانيين الذين انتشرت حياتهم وتاريخهم في العالم كله وخارج الحدود الوطنية، والذين أثبتوا من خلال مشاركتهم المذهلة كرقم وكخيار، بأنهم جزء لا يتجزأ من أمتنا.
ويبقى الرومانيون في الخارج ليس فقط بفكرهم ولكن بفعلهم القوي الراسخ مرتبطين وعن كثب بحياة المجتمع الروماني. ويجب أيضاً الاعتراف بتفانيهم داخل في البلد وذلك من الناحية المؤسسية – على سبيل المثال بزيادة عدد الممثلين الشرعيين للرومانيين في الخارج ضمن مؤسسات الدولة الرومانية.
أعزائي،
تتعرض الديمقراطية في بعض دول أوروبا للاعتداء من قبل الزعماء الشعبويين الذين يفتقرون إلى الإحساس بالمسؤولية. وهناك تحد خطير للقيم الأوروبية بتصرفات وتصريحات كانت تُعتبر حتى أمس غير مقبولة، وهناك قرارات تتعارض مع الاحترام الواجب للشركاء والحلفاء، وقد اختار الرومانيون، بشكل لا شك فيه، القيم الأخلاقية والسياسية التي ألهمت أيضاً الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي.
ونحن الذين نقود مصائر أمتنا وعلينا واجب أساسي تجاه أولئك الذين نمثلهم في الاحترام الكامل لهذه الخيارات، وإرادتهم قانون بالنسبة إلينا!
لقد كان المؤرخ الروماني العبقري السيد (نيكولاي يورغا – Nicolae Iorga) يقول إن هناك طريقة واحدة لبناء تضامن المجتمع وهو المثل الأعلى الذي يجب أن يتم جمع كل الطاقة والموارد من أجل تحقيقه.
ونحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى التماسك حول المشاريع الوطنية الكبرى، والوحدة، والتوافق، والتسامح والتضامن. بهذه الطريقة فقط سنتمكن من بناء البلد الذي نريده.
ويجب على الطبقة السياسية والقادة تركيز جهودهم للاستجابة لاحتياجات المجتمع، ويجب أن تكون الشراكة مع المواطنين صادقة وذات مصداقية.
كما يجب أن تصبح رومانيا البلد الذي يريد من يغادره العودة ويتمتع الرومانيون هنا بجميع الموارد اللازمة لتحقيق تطلعاتهم.
وليس إصلاح النظم العامة الكبيرة وتحديث الإدارة العامة، وتعزيز مؤسسات الدولة، واستعادة ثقة المواطنين بها، والاستفادة من الطاقات الإبداعية للرومانيين، وحماية الهوية الوطنية، والتراث والموارد الرومانية، وضمان الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة، وتعزيز القيم الديمقراطية ليست إلا سوى عدد قليل من الأهداف التي يجب أن ننفذها.
لن يكون الأمر سهلاً، لكننا تعلمنا من ماضينا أن أي مشروع كبير يتطلب الكثير من العمل والجدية والكفاءة المهنية والنتائج رائعة عندما يريد الرومانيون ويدعمون كل هذه الأهداف النبيلة.
إنه لشرف لي وتحمل مسؤولية، في نفس الوقت، أن أكون جزءاً من مشروع إعادة الإعمار في رومانيا. أنا واثق من قدراتنا كأمة، وعلى إنجاح الأمور، بحيث تتماشى رومانيا مع القيم والمبادئ التي نؤمن بها.
نحن حرفيو المستقبل في رومانيا وتعتمد تصرفاتنا على التحديث والتطوير الذي كنا ننتظره لفترة طويلة.
دعونا معاً نجعل رومانيا طبيعية البلد القوي الذي حلم به الأجداد، المجتمع الديمقراطي الذي كان يأمل به أولئك الذين ضحوا بحياتهم من أجل الحرية قبل 30 عاماً في ماضي تاريخنا كله، الدولة المزدهرة والضامة للجميع كما يتمنى شبابنا!
عيد ميلاد سعيد، رومانيا!
عيد ميلاد سعيد، الشعب الروماني!”
ِتمّت الترجمة في سفارة الجمهوريّة العربيّة السوريّة في بخارست نقلاً عن موقع الرئاسة الرومانيّة