أكد السيد الرئيس بشار الأسد أن التوجهات المستقبلية للسياسة السورية تقوم على الاستمرار في مكافحة وسحق الإرهابيين في كل مكان والمصالحات الوطنية التي أثبتت فاعليتها بأشكالها المختلفة وزيادة التواصل الخارجي والتسويق للاقتصاد الذي دخل في مرحلة التعافي.
وأوضح الرئيس الأسد في كلمة له خلال افتتاح مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين أن الأسس التي تبنى عليها السياسة السورية في هذه المرحلة أن كل ما يرتبط بمصير سورية ومستقبلها هو موضوع سوري مئة بالمئة وأن وحدة الأراضي السورية هي من البديهيات غير القابلة للنقاش وأننا لن نسمح للأعداء أو للإرهابيين بأن يحققوا بالسياسة ما عجزوا عن تحقيقه بالميدان وعبر الإرهاب مبينا أن الدول التي تريد اقامة تعاون أمني مع سورية أو فتح السفارات عليها قطع علاقتها مع الإرهاب والإرهابيين.
وقال الرئيس الأسد: السيدات والسادة الدبلوماسيون والإداريون في وزارة الخارجية يسرني أن ألتقي بكم اليوم في مستهل مؤتمركم الذي يشكل فرصة مهمة لتبادل الخبرات والأفكار ولمناقشة السياسات المستقبلية للدولة ولطرح الأفكار التطويرية التي من شأنها أن تدفع العمل في وزارة الخارجية بالشكل الذي يجعلها أكثر فاعلية في تأدية مهامها.
وأضاف الرئيس الأسد وتأتي أهمية هذا اللقاء اليوم من خلال الديناميكية السريعة جداً للأحداث في العالم، وفي المنطقة، ولكن بشكل خاص في سورية، وبالتالي لا يمكن لوسائل الاتصال والتواصل التقليدية أو الحديثة أن تحل محل هكذا لقاءات، بالتالي الحوار المباشر هام من أجل تكوين الرؤى الموحدة وصياغة المواقف، وتأتي أهميته بشكل خاص عندما يكون الوضع معقداً كما هو الحال اليوم في سورية فهذه الحرب التي نخوضها اليوم منذ سنوات أثبتت بأن هناك حروباً أخرى تُخاض بالتوازي على الأرض السورية، حروب عالمية وإقليمية، تُخاض بأيادٍ سورية، عربية، وأجنبية. هذا لا يعني على الاطلاق بأن سورية هي مجرد أرض وتصادف أن التقى عليها المتحاربون.
وتابع الرئيس الأسد: سورية عبر التاريخ هي هدف، ومن يسيطر على هذا الهدف تكن له سيطرة كبيرة على القرار في الشرق الأوسط، ومن يسيطر على القرار في الشرق الأوسط أو تكن له يد عليا في هذا القرار، تكن له كلمة مهمة ومؤثرة على الساحة الدولية وفي القرار الدولي، أو بالأحرى في التوازن الدولي وأبسط مثال على ذلك، لكي لا نتحدث بنوع من التباهي كما يمكن أن يعتقد البعض، لو عدنا إلى معركة قادش عام 1274 قبل الميلاد وكانت أول معاهدة سلام في ذلك الوقت، أو أول معاهدة سلام مكتوبة عملياً كانت بين الفراعنة والحثيين الذين التقوا جنوب غرب حمص، وكان الفراعنة يعتقدون في ذلك الوقت أن أمن ممالك الفراعنة يؤمن من خلال السيطرة على هذه المنطقة، وطبعاً الأمثلة كثيرة تمتد عبر الحقب خلال العثمانيين والصراع على سورية بعد خروج المحتل الفرنسي.
وقال الرئيس الأسد: اليوم نحن جزء من هذا الصراع، لذلك من السطحي جداً أن نقول بأن هذه الحرب سببها مواقف سورية والغرب يريد أن يؤدب الدولة السورية، هذا الكلام صحيح ليس خاطئاً على الإطلاق، وهو واقع ولكن هو جزء من الصورة الأكبر، هذه الصورة مرتبطة بالصراع الدولي ومحاولة تغيير التوازنات الدولية أو تثبيتها بالمعنى العسكري وبالمعنى السياسي وما ينتج عنها من نتائج اقتصادية أو جغرافية. الجغرافية أي تظهر دول جديدة.. تختفي دول موجودة.. أو تتغير الحدود.. هذا الصراع بالنسبة للغرب هو فرصة ثمينة لتصفية الحساب مع كثير من الدول، وإخضاع الدول التي تمردت على هيمنة الغرب خلال السنوات أو العقود الماضية، من هذه الدول سورية، إيران، كوريا الديموقراطية الشعبية وبيلاروس، وغيرها من الدول، حتى روسيا وهي دولة عظمى ليست دولة صاعدة، مع ذلك ليس مسموح لها أن تتمرد على الهيمنة الغربية.
الغرب يعيش حالة هيستيريا كلما شعر بأن هناك دولة تريد أن تشاركه القرار الدولي في أي مجال وفي أي مكان
وأضاف الرئيس الأسد: الغرب اليوم، عندما أقول الغرب، أنا أتحدث عنه بالمعنى السياسي، لا أريد أن أحدد مجموعة دول، نحن نعرف من يقود الغرب، وجزء كبير من الغرب هو دول ليس لها علاقة بالسياسة ولكن تسير مع الغرب، وقد يكون جزء من هذا الغرب موجود في أقصى الشرق جغرافياً لكن سأستخدم خلال خطابي اليوم كلمة الغرب بالمعنى السياسي، الغرب يعيش اليوم صراعاً وجودياً ليس لأن هناك عدواً موجوداً يريد أن يحطم الغرب. أبداً، هو غير موجود، ولكن هو يعتقد بأن عصر الهيمنة التي استمتع بها، منذ سقوط أو منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، هي في حالة أفول، فكلما تمردت دول على هذه الهيمنة تسارع هذا الأفول، وكلما قُمعت وأُخضعت هذه الدول التي تمردت على الهيمنة استمر عصر الهيمنة إلى ما شاء الله.
وأكد الرئيس الأسد أن الغرب اليوم يعيش حالة هيستيريا كلما شعر بأن هناك دولة تريد أن تشاركه القرار الدولي في أي مجال وفي أي مكان من العالم، هذا يعكس ضعف في الثقة، ولكن هذا الضعف في الثقة ينعكس بالمزيد من استخدام القوة، وبالتالي القليل من السياسة والقليل من العقل أو غياب العقل بشكل كلي.. الشراكة بالنسبة للغرب مرفوضة من قبل أي جهة، التبعية هي الخيار الوحيد المطروح، وفي هذه الحالة حتى الولايات المتحدة لا تشارك حلفاءها الغربيين، هي ترسم لهم الأدوار، تحدد لهم الاتجاهات، وأي خطوة يقومون بها هي ضمن الخط الأمريكي حصراً، وبالنهاية تُلقي لهم ببعض الفضلات الاقتصادية كمكافأة لهم.
وقال الرئيس الأسد: يضاف لهذا المشهد أن الرئيس في الولايات المتحدة كما هو واضح، ولكن اليوم اشد وضوحاً، هو ليس بصانع سياسات وإنما هو منفذ للسياسات، الصانع الحقيقي هي اللوبيات الموجودة، هي شركات السلاح، والبنوك، والنفط، والغاز، والتكنولوجيا، وغيرها من اللوبيات التي تحكم الدولة عبر وكلاء منتخبين بشكل ديمقراطي ولكن يحكمون لصالح هذه النخبة الحاكمة. فإذاً الصورة العملية أن اللوبيات أو الدولة أو ما نسميها النظام، وهنا أنا أقول نظام وليس دولة في الولايات المتحدة، هذا ما نتهم به، لأن الدولة تحترم قيم شعبها، تحترم ما تلتزم به، تحترم القوانين الدولية، تحترم سيادات الدول، تحترم مبادئ الإنسانية، تحترم نفسها بالمحصلة. أما النظام فلا يحترم كل هذه الأشياء وإنما يعمل فقط من أجل النخبة التي تحكم، سواء كانت نخبة مالية أو غيرها.
في سورية دفعنا ثمناً غالياً في هذه الحرب ولكن مقابل إفشال المشروع الغربي في سورية والعالم
وأضاف الرئيس الأسد: فإذاً، النظام العميق في الولايات المتحدة لا يشارك الرئيس في الحكم، وإنما يعطيه هامش، والرئيس وإدارته لا يشاركون الأوروبيين وحلفاءهم في الغرب فقط يعطونهم هامشاً، وهؤلاء أي الغرب بشكل جماعي لا يشارك عملاءه وإمعاته في منطقتنا والعالم، فقط يعطيهم هامشاً، وطبعاً لا يشاركون بقية العالم. محصلة هذا الصراع حالياً هو قوتين: الأولى، تعمل لصالح النخب الحاكمة ولو أدى ذلك لخرق كل القوانين الدولية والأعراف وميثاق الأمم المتحدة وغيرها، ومقتل الملايين من الأشخاص في أي مكان من العالم. والقوة الثانية في المقابل تعمل من أجل الحفاظ على سيادة الدول والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وترى في ذلك مصلحة لها واستقراراً للعالم.
وتابع الرئيس الأسد.. هذه هي محصلة القوى الحالية ولو أردنا أن نتحدث عن الوضع العربي في ظل محصلة هذه القوى فنقول أن الوزن العربي هو صفر وبالتالي هو صفر في محصلة هذه القوى، لذلك لا أرى من الضرورة أن نتحدث عن الوضع العربي على الإطلاق لأنه غير موجود على الساحة السياسية الدولية. بغض النظر عن محصلة القوى والتوازنات الموجودة ومن يربح ومن يخسر، دائماً الدول الصغرى أو الأصغر هي التي تدفع ثمن هذا النوع من الصراعات. وفي سورية دفعنا ثمناً غالياً في هذه الحرب ولكن مقابل إفشال المشروع الغربي في سورية والعالم.
وقال الرئيس الأسد: وطبعاً عندما نقول مشروع غربي فجوهر المشروع الغربي، بالنسبة لنا له أوجه عديدة ولكن بالنسبة لمنطقتنا العربية والشرق الأوسط كان جوهر هذا المشروع هو أن يحكم الإخوان المسلمون هذه المنطقة باعتبار أنهم يمثلون الدين وبالتالي يستطيعون أن يسيطروا على مجتمع وشارع متدينٍ من خلال الغطاء الديني ويقودون هذا الشارع باتجاه المصالح الغربية، وهذا هو دور الإخوان التاريخي. ولكن عندما أتحدث في هذه النقطة عن إفشال المشروع الغربي لا يعني بأننا انتصرنا، كي نتحدث دائماً في الإطار الواقعي ولا نبالغ، هم فشلوا ولكن المعركة مستمرة.
وتابع الرئيس الأسد: أين نصل لاحقاً.. متى نتحدث عن الانتصار؟ هذا موضوع آخر؛ لذلك يجب أن نكون دقيقين؛ هم فشلوا حتى هذه اللحظة ونحن لم ننتصر أيضاً حتى هذه اللحظة. ولو أن بوادر الانتصار موجودة ولكن البوادر شيء والانتصار شيء آخر، قد يقول البعض لكنهم حققوا هدفهم فقد دمروا سورية، وأنا أقول بكل بساطة أن تدمير سورية لم يكن هدفهم، كان المطلوب أن يستحوذوا على سورية سليمة معافاة؛ ولكن خاضعة وتابعة وهنا يكون الجواب لمن يفكر في حسابات الربح والخسارة، أن سورية الخاضعة والتابعة أو الخانعة لا يمكن أن تستمر وسوف تتحلل وتتفتت وتذوب. لذلك في حسابات الربح والخسارة، أكرر ما قلته في عام 2005 منذ حوالي 12 عاماً، بأن ثمن المقاومة هو أقل بكثير من ثمن الاستسلام.
وأضاف الرئيس الأسد: كانوا يتحدثون في ذلك الوقت عن الشجرة والعاصفة، يعني أن الشجرة تنحني إذا كان هنالك عاصفة وعندما تمر العاصفة تعود الشجرة للانتصاب. وكان جوابي في ذلك الوقت لكن عندما تكون القضية ليست عاصفة، بل جرافة تنزل تحت الأرض وتضرب الجذور فلا قيمة عندها للانحناء. الحل الوحيد هو في أن تكون الجذور صلبة لكي تحطم الجرافة، مع كل أسف هناك من يتحدث بنفس اللغة بعد 12 عاماً ولم يتعلم الدروس، مع أن هذه التي يسمونها عاصفة -وهي ليست كذلك- لم تبدأ بحرب العراق، بدأت في حرب العراق وإيران عام 1980 ولاحقاً في دخول الكويت وبعدها غزو العراق 2003 والآن نرى استمرارها في منطقتنا وفي سورية.فإذاً ما يحصل لا عاصفة ولا شجرة ولا جرافة، الحقيقة ما يحصل هو مقصلة موضوعة على رؤوس الجميع في هذه المنطقة وبدأت المقصلة بالقطع وحصدت أرواح الملايين، والانحناء لا يفيد في هذه الحالة، إما أن تسحب الرؤوس من تحتها أو أن تُدمَّر المقاصل لا يوجد حل آخر.
وأوضح الرئيس الأسد أن هذا الكلام؛ وهذه المصطلحات التي تكرّر بشكل ببغائي لا مكان لها هنا والأحداث أثبتت ذلك. وأنا سأُعطي مثالاً بسيطاً: عندما أخذنا موقفاً من حرب العراق في عام 2002 لم يكن فقط مجرد موقفاً مبدئياً ضد الغزو، هذا كان أحد الجوانب؛ ولكن الجانب الأخطر هو ما كان يحضر للعراق في ذلك الوقت من طروحات طائفية وفدرالية نراها اليوم نفسها في سورية، فكنا نرى في ذلك الوقت بأن ما يحصل في العراق ليس مجرد غزو، ليس عاصفة، العاصفة تأتي وتذهب أما مخطّط يستمر لثلاثة عقود على الأقل والآن اقترب من العقد الرابع، فهذا ليس عاصفة هذا مخطّط، الموضوع مختلف.
وقال الرئيس الأسد: في ذلك الوقت كانت تطرح المصطلحات الطائفية والفدرالية وكنا نعرف بأننا عندما نوافق تحت أي عنوان كالبراغماتية السياسية يعني أن نوافق على وضع رأسنا تحت المقصلة، لذلك وقفنا ضد تلك الحرب. ولو قارنّا تداعيات حرب العراق اليوم مع تداعيات حرب العراق بعد الحرب مباشرة، فاليوم تداعياتها أكبر بكثير. هذه التداعيات تكبُر وتتضخم وليس العكس، بعد كلّ هذه السنوات المفترض أنها تخامدت، ولكنها لم تتخامد لأن هناك مخطّط، عندما نفهم هذه الصورة، نفهم بأن التكتيكات والبراغماتية السطحية التي يتحدث بها البعض أو يفكر بها ليس لها مكان في واقعنا الحالي.
وتابع الرئيس الأسد: فأنا أريد أن نفهم بأننا نعيش مرحلة غير منفصلة، هي مرتبطة بمراحل سبقتها منذ عدة عقود. خسرنا خيرة شبابنا وبنية تحتية كلفتنا الكثير من المال والعرق لأجيال، صحيح؛ لكننا بالمقابل ربحنا مجتمعاً أكثر صحة وأكثر تجانساً بالمعنى الحقيقي وليس بالمعنى الإنشائي أو بالمجاملات، هذا التجانس هو أساس الوحدة الوطنية، تجانس العقائد، تجانس الأفكار، التقاليد، العادات، المفاهيم، الرؤى، على تنوعها واختلافها. التجانس لا يعني التطابق، التجانس يعني أن تكون متكاملة مع بعضها البعض، عندما تتكامل تشكّل اللون الوطني الواحد، هذا اللون الوطني الواحد هو الذي يشكّل الأساس للوحدة الوطنية الجامعة لكلّ أبناء الوطن الواحد.
وقال الرئيس الأسد: قد يقول قائل الآن، أي وحدة وطنية؟ كلنا نسمع الآن كلاماً طائفياً، نفس هذا الكلام سمعناه بعد جرائم الإخوان المسلمين في الثمانينات لكنه كان عابراً. ليس المهم ما هو الموجود على الألسن، المهم ما هو موجود في النفوس، ولو كان هذا البعد التقسيمي الذي نسمعه -نسميه البعد التقسيمي- الآن في أماكن مختلفة من مجتمعنا، لو كان موجوداً في النفوس لكانت سورية سقطت منذ زمن بعيد ولكانت الحرب الأهلية التي يتحدثون عنها في الإعلام الغربي وحاولوا إقناعنا بها لكانت الآن أمراً واقعاً.
وأشار الرئيس الأسد إلى أن المرحلة الأخطر كانت في السنة الأولى من الحرب، لأن البعد الطائفي كان موجوداً في النفوس قبل الحرب كالنار تحت الرماد ولكن إلى حد معين ربما لو انتظرنا سنوات وتغلغل هذا البعد أكثر في نفوس السوريين واندلعت هذه الحرب ربما كنا رأينا واقعاً مختلفاً أخطر بكثير. فإذاً الواقع الحالي، وتماسك المجتمع بالشكل الّذي نراه اليوم هو حقيقة، الدور الأساسي فيه هو للمجتمع، لتاريخ المجتمع، للتاريخ التراكمي للمجتمع، قد يكون هناك دور للدولة، دور للحقائق، هناك دروس تعلمناها من الحرب، ولكن لو لم يكن المجتمع بطبيعته هو مجتمع غير طائفي لما صمدت سورية بهذا الشكل.
وأضاف الرئيس الأسد: لذلك في هذا الإطار ما يحصل هو حالة عابرة، علينا أن نفرق بين رد الفعل وبين القناعات؛ هناك رد فعل طائفي، صحيح؛ ولكن لا يوجد قناعات طائفية، والفرق كبير بين الأولى والثانية..وأعطي مثالاً حقيقياً على رد الفعل، كم مرة شُتمت العروبة خلال هذه الحرب بسبب أن بعض العرب، أو قسم كبير من العرب خان والقسم الآخر لم يُساعد، من الصعب إحصاء عدد المرات ولكن عندما طرح في الاعلام مؤخراً الدستور الذي يقول الجمهورية السورية وسُحبت كلمة العروبة، نفس الأشخاص أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، كيف يضعون دستور يسمونه دستوراً الجمهورية السورية، هي الجمهورية العربية السورية، هذا يؤكد بأن ما نراه في معظمه هو ردود أفعال، وأنتم كدبلوماسيين وإداريين في وزارة الخارجية يجب أن يكون لديكم وعي دقيق للمصطلحات وألا نؤخذ بمظاهر أو ظواهر الأمور.
الغرب كالأفعى يبدّل جلده حسب الموقف
وقال الرئيس الأسد: محصلة هذا الصمود والثمن الذي دفعناه أن التبدلات التي حصلت مؤخراً في التصريحات الغربية لم تأتِ لأن الضمير الإنساني فجأة أصابته صحوة وشعروا بأن سورية ظُلمت أو من هذا القبيل، تغيروا بسبب صمود الشعب، صمود الدولة، صمود القوات المسلحة، وطبعاً بسبب دعم الأصدقاء. لم يتغيروا لأنهم يمتلكون أخلاقاً لم نرها في حال من الأحوال حتى قبل الحرب، ولكن الحقائق على الأرض في سورية والحقائق على الأرض في بلدانهم، واليوم لا يمر أسبوع وشهر إلا وتكون هناك حادثة ناتجة مباشرة عن حماقاتهم في اتخاذ القرارات ودعم الإرهاب في هذه المنطقة، هذه الحقائق هي التي فرضت عليهم تبديل المواقف ولو جزئياً، ولو بخجل، ولو عن غير قناعة، ولكنها فرضت نفسها.
وأضاف الرئيس الأسد: هذا التبديل بالمواقف لا يعني تبديلاً بالسياسات، الغرب كالأفعى يبدّل جلده حسب الموقف. في البداية كانوا يتحدثون عن دعم الحراك الشعبي، هذا الحراك الذي لم يتجاوز في أحسن الأحوال 200 ألف شخص، مدفوعين في كل سورية في بلد عدد سكانه 24 مليوناً، وعندما حاولوا ولم ينجحوا انتقلوا لدعم المسلحين بشكل معلن ولكن أعطوهم الغطاء، وهو المعارضة، أي هي مصطلح سياسي، والمعتدلة، أي هم ليسوا متطرفين، أو المعارضة مصطلح سياسي أو ليسوا إرهابيين.
وبين الرئيس الأسد: عندما فشل هذا الموضوع وفضح أمرهم أمام الرأي العام العالمي وأمام الرأي العام المحلي في بلدانهم انتقلوا للمنتج الآخر وهو المنتج الإنساني، ونحن الآن في هذه المرحلة، ملخص هذا المنتج صمت كامل طالما أن الإرهابيين يتقدمون في أي مكان ويقومون بارتكاب المجازر وقتل المدنيين، أما عندما يتقدم الجيش على حساب الإرهابيين ففجأة نبدأ بسماع العويل والصراخ والتوسل من أجل هدنة تحت العنوان الإنساني ووقف سفك الدماء وإدخال المساعدات الإنسانية وغير ذلك من العناوين التي نعرفها جميعاً كسوريين، والهدف الحقيقي هو إعطاء الفرصة للمسلحين من أجل إعادة ترتيب الصفوف والتذخير و تجهيز العتاد وإرسال المزيد من الإرهابيين لدعمهم ولاحقاً الاستمرار بالأعمال الإرهابية.
وقال الرئيس الأسد: الحقيقة كل تلك التكتيكات المتنوعة التي استخدموها عبر تلك المراحل لم تكن قادرة على خداعنا على الإطلاق، منذ اليوم الأول اكتشفنا الإرهاب، ومنذ اليوم الأول ضربنا الإرهاب في المرحلة الأولى والثانية والثالثة وسنستمر طالما هناك إرهابي واحد في أي مكان في سورية، أما الحرب الإعلامية والنفسية التي مارسوها خلال السنوات الماضية فلم تتمكن للحظة واحدة من التأثير علينا بالشكل الذي يحرفنا عن هذا الهدف وهو مكافحة الإرهاب أو دفعنا باتجاه الخوف أو التردد.
مكافحة الإرهاب هي هدف ولكن هي بنفس الوقت أساس لأي عمل نقوم به
وأضاف الرئيس الأسد: هذا الهدف في مكافحة الإرهاب، لم يكن على الإطلاق عائقاً في وجه العمل السياسي طالما أن هذا العمل السياسي سيكون مبنياً على مكافحة الإرهاب، أي عمل، أية مبادرة، أي طرح لا يُبنى على هذا الأساس ليست له قيمة، فإذاً مكافحة الإرهاب هي هدف ولكن هي بنفس الوقت أساس، أساس لأي عمل نقوم به وطالما هناك أساس نستند إليه يعني أن هناك مرجعية، يعني أن هناك بوصلة، يعني أن كل الألاعيب التي حاولوا القيام بها لم يكن لها أي تأثير، لذلك انطلاقاً من وجود هذا الأساس ومن هذه الثقة تعاملنا بمرونة كبيرة مع مختلف المبادرات التي طُرحت منذ اليوم الأول للأزمة بالرغم من معرفتنا المسبقة بأن معظم هذه المبادرات انطلق من نوايا سيئة.
وقال الرئيس الأسد: كان الهدف الوصول إلى نتائج محددة لم يتمكنوا من الحصول عليها من خلال الإرهاب، وكما يعرف الجميع فإن نتائج هذه المبادرات بالمحصلة كانت متواضعة، أو إذا أردنا أن نتحدث بصراحة بعيداً عن الدبلوماسية، كل نتائج هذه المبادرات كانت غير موجودة، ما هو السبب؟ السبب أننا في الحوار كنا نتحاور إما مع إرهابي أو مع عميل أو مع كليهما، هؤلاء الأشخاص يقبضون من أسيادهم وكل كلمة تخرج من فمهم يُصادق عليها من قبل أسيادهم وربما يختمون على ألسنتهم، أي عملياً كنا نتحاور مع عبيد، فأية نتائج نتوقعها إذا كنا نتحاور مع عبيد.
وأضاف الرئيس الأسد: كانوا يطرحون في كل لقاء وفي كل حوار مباشر أو غير مباشر كل ما يعبر عن مصالح الدول الأجنبية وتحديداً المعادية لسورية، بنفس الوقت كانت كل الطروحات التي يطرحونها هي ضد مصالح الشعب السوري، وضد وحدة تراب الوطن، هذه المجموعات العميلة، وأتحدث بشكل صريح اليوم، بعد سبع سنوات تقريباً لا مجال للكلام الدبلوماسي حتى لو كان اللقاء مع الدبلوماسيين، بعد كل هذه السنوات اكتشفوا مؤخراً ، طبعاً نحن نعرف هذه الحقيقة، نعرف بأن هذه الشخصيات وتلك المجموعات هي أشباح وهمية غير موجودة، ليس لها وزن، لكن هم اكتشفوا مؤخراً بأنهم بلا وزن وبأنهم مجرد أدوات تستخدم لمرة واحدة ومن ثم تُلقى في سلة المهملات، أي مثل الأدوات الطبية تُفتح تُستخدم وتُلقى في السلة مع فارق جوهري، الأدوات الطبية معقمة، أما هذه الأدوات فهي أدوات ملوثة، وهي ملوثة لدرجة لا يمكن معها إعادة التدوير والاستخدام لاحقاً، لكن الشيء اللطيف مؤخراً أنهم بدأوا يتحدثون عن أخطاء الثورة خلال العام الماضي، مقالات وتصريحات، بأن هذه الثورة الطاهرة النقية وهم الأطهار والأنقياء ولكن تلوثوا مرة بعسكرة الثورة ومرة لأنهم فتحوا المجال للمتطرفين ومن هذا الكلام.
وقال الرئيس الأسد: أنا أختلف معهم في هذه النقطة، هم لم يخطئوا، هم قاموا بواجبهم، كُلفوا بمهمة العمالة وكان دورهم عملاء، في هذا المجال كادوا يقتربون من أن يكونوا معصومين عن الخطأ، من حيث الانضباط، الإخلاص، الوفاء، والاحتراف الكامل، لكنهم وقعوا ببعض الأخطاء، الخطأ الأول عندما اعتقدوا بأن السيد يُقيم وزناً للعبد، وأنا أقصد أسيادهم، الخطأ الثاني عندما اعتقدوا بأن شعباً سيّد نفسه كالشعب العربي السوري يمكن أن يقبل بأن يُسَيَّد عليه عملاء وخونة من هذا النوع، أما الخطأ الثالث فهو عندما قالوا بأن الثورة قد فشلت، والحقيقة أن الثورة لم تفشل. هي كانت نموذجاً وأنموذجاً في النجاح ، ونحن نفتخر بها، ولكن لا أقصد ثورتهم، وإنما أقصد ثورة الجيش على الإرهابيين وثورة الشعب السوري على العملاء والخونة.
وأضاف الرئيس الأسد: هم اعتقدوا لفترة بأنهم احتكروا مصطلح الثورة وأصبح لقباً من الألقاب غير المسموح لأحد بتداولها وكادت تصبح ملتصقة بباقي الألقاب، الأستاذ الثائر فلان، الدكتور الثائر فلان، وإلى آخره، الحقيقة لا، بالمقابل الكثير من الوطنيين في سورية نفر من مصطلح الثورة فقط لأنها استخدمت من قبل هؤلاء. لا، الثورة هي مصطلحنا ونحن ما زلنا نفتخر بهذا المصطلح ولم يُسَلّم لأحد وإذا كان أُطلق أو أُصبغت عليهم صفة الثوار فلا يعني بأنهم ثوار، الاسم لا يغير من حقيقة الإنسان، كم من شخص اسمه الأول هو على اسم أحد الأنبياء عليهم السلام ولكن ليس فيه شيء من الإيمان، نفس الشيء بالنسبة لهم، أن يكون اسمهم ثواراً لا يعني بأنهم كذلك، ونحن نقول لهم الآن بأن الثوار الحقيقيين هم النخبة الوطنية، هم النخبة الإنسانية، هم النخبة الأخلاقية، أما أنتم فإنسانياً وأخلاقياً ووطنياً لستم أكثر من حثالة.
وقال الرئيس الأسد: وكما تعاملنا مع مبادرات الحوار بمرونة تعاملنا إيجابياً مع وقف الأعمال القتالية ولم يكن لدينا أدنى شك بأن الإرهابيين سيقومون باستخدام هذه المبادرات من أجل الغدر كما فعلوا مرات عدة ولكن القوات المسلحة كانت لهم بالمرصاد، وهنا نسأل سؤالاً: إذا كانت محصلة الاجتماعات لا شيء، والاتفاقيات لا يلتزمون بها، فلماذا نضيّع الوقت؟ لأننا منذ بداية الأزمة لم تمر فرصة من أجل حقن الدماء إلا وحاولنا استغلالها واقتناصها كفرصة من أجل حقن دماء الأبرياء، ولو كان الأمل ضعيفاً، انطلاقاً من ذلك شاركنا في أستانة منطلقين من رؤية وطنية واضحة ومن ثقةٍ كبيرة بأصدقائنا في إيران وفي روسيا.
الطرف التركي لا نعتبره ضامناً ولا شريكاً في عملية السلام ولا نثق به وهو داعم للإرهابيين.. وأردوغان عبارة عن متسوّل سياسي على قارعة الطريق يبحث عن أي دور
وأضاف الرئيس الأسد: لكن ماذا عن الطرف الثالث وهو التركي، بالنسبة لنا هو موجود على الورق، لا نعتبره ضامناً ولا شريكاً في عملية السلام، وطبعاً لا نثق به، هو داعم للإرهابيين، هو ضامن ولكن للإرهابيين، وحقيقة دخول تركيا في مؤتمر أستانة سببه أنه لم تعد هناك خيارات أمام أردوغان، الإرهابيون يتساقطون في كل مكان، هزائم متتالية، فضائح متتالية حول علاقته مع الإرهابيين، فأصبح الدخول إلى أستانة هو غطاء بشكل أو بآخر، وبنفس الوقت يقوم بحماية الإرهابيين من خلال الدخول في هذا المؤتمر، وهذا ما فعله، وكما تعلمون تمّت عرقلة عدة جولات حمايةً للإرهابيين.
وتابع الرئيس الأسد: من جانب آخر مشاركة وفد أردوغان في هذا المؤتمر تعطيه دوراً في سورية، هو يسعى لدور، الهدف منه شرعنة وجود وحدات تركية في سورية، أي شرعنة الاحتلال. وكان موقفنا واضحاً منذ اللحظة الأولى وهو أن أي شخص تركي موجود على الأرض السورية من دون موافقة الحكومة السورية هو عبارة عن محتل. أي عملياً أردوغان اليوم هو عبارة عن متسوّل سياسي على قارعة الطريق يبحث عن أي دور لأنه يشعر باختلال التوازن داخل تركيا وافتضاح أمره وعلاقته بالإرهابيين، والحقيقة أن أردوغان بقي في الحكم ليس لبراعته كما يحاول البعص أن يصوره، ولكن لأن له دوراً، ما زال له دور في دعم الإرهابيين في سورية، ولو انتهى الوضع في سورية لمصلحة الإرهاب أو القوى الأخرى الداعمة للإرهاب فلن يكن هناك داعٍ لوجود أردوغان، ما أبقاه هو الدور الحالي المطلوب أن يقوم به في سورية، وهو دور تخريبي.
ولفت الرئيس الأسد إلى أن إحدى نتائج أستانة هي مناطق تخفيض التصعيد، وكان هناك الكثير من التساؤلات حول هذه المناطق، هل هي نفس فكرة المناطق الآمنة؟ هل سيستفيد منها الإرهابيون؟ هل هي قبول بالأمر الواقع وبالتالي الذهاب باتجاه التقسيم؟ الحقيقة هي لا تختلف بالخطوط العريضة وبالجوهر عن كل المبادرات التي طُرحت سابقاً بالنسبة لوقف الأعمال القتالية ، أما بالشكل فهناك اختلافات جغرافية وصياغية وبعض الإجراءات التي تختلف إلى حدٍ ما مع باقي المبادرات، لكن الجوهر واحد، وقف سفك الدماء، عودة المهجرين، إدخال المساعدات الإنسانية، إعطاء الفرصة للإرهابين للخروج من تحت غطاء الإرهاب وتسوية الأوضاع وبالتالي الانتقال لحضن الدولة، هذا هو الشكل العام والهدف النهائي، وطبعاً تهدف أيضاً للوصول إلى المصالحة الوطنية وبالتالي عودة سيطرة الدولة وخروج المسلحين وتسليم السلاح، أي العودة إلى الوضع الطبيعي الكامل.
وأضاف الرئيس الأسد: أما بالنسبة للأمر الواقع فلا يوجد أمر واقع، طالما أننا لم نوقف القتال، ونحن نتحدث عن ساحة واحدة وإرهاب واحد، وحتى القواعد الإرهابية هي واحدة، كانت تنتقل من مجموعة إلى أخرى ومن عصابة إلى أخرى، فطالما أننا مستمرون بضرب الإرهاب على نفس الساحة فيعني أن الإرهاب سيضعف في المناطق الأخرى، نضربه في مكان فيضعف في كل الأماكن الأخرى، وبنفس الوقت هي ليست حالة مفتوحة، هي حالة مؤقتة، طالما أن القتال مستمر ضد الإرهابيين والزمن محدد فهذا يعني بأنه لا يوجد أمر واقع ولا يوجد تقسيم، وهذا الكلام غير مطروح، وبكل تأكيد لن نوافق عليه كحكومة سورية تحت أي عنوان، طبعاً في حال طُرح ولكنه لم يُطرح.
وقال الرئيس الأسد: هل سيستفيدون، طبعاً سابقاً حاولوا الاستفادة ولكن القوات المسلحة كانت لهم بالمرصاد وسحقتهم في أكثر من مرة ولذلك أيضاً لا يوجد قلق من هذه الناحية، ولكن الفرق بينه وبين المناطق الآمنة، المناطق الآمنة تعني أن الطيران الأمريكي ومعه طيران التحالف يقوم بتشكيل غطاء جوي للإرهابيين ويسمح لهم بالتوسع وكل من يحاول محاربة الإرهابيين أو ضربهم يقوم الطيران الأمريكي ومعه التحالف بضربه، في هذه الحالة الوضع مختلف، حيث يُمنع الطيران لأي جهة ولكن إذا تحرك الإرهابي بأي اتجاه سوف يتم ضربه، وإذا خرق الاتفاقية، فيكون من حقنا كدولة سورية أن نجعله هدفاً لعملياتنا العسكرية.
وأضاف الرئيس الأسد: ما الذي سيحصل الآن؟ عملياً، الشيء الوحيد الذي نقوم به هو تشكيل لجان للحوار من قبل الدولة السورية وسيتم تشكيل لجان مقابلة من قبل الأطراف أو من قبل السكان القاطنين في تلك المناطق لمناقشة البنود التي ذُكرت أعلاه بهدف الوصول إلى المصالحة الوطنية كهدف نهائي. وأي شيء أقل من خروج الإرهابيين وعودة سيطرة الدولة، لا يسمى مصالحة. أي شيء أقل من ذلك هو ليس مصالحة وعندها لا نكون قد وصلنا إلى الهدف. لذلك لنا مصلحة في نجاح هذه المبادرة وسنعمل بكل ما نستطيع لكي تنجح، لكن هذا ايضاً يعتمد على الأطراف الأخرى سواء الموجودة في تلك المناطق أو الأطراف التي ستؤثر فيها سلباً أو إيجاباً من خارج الحدود السورية. هذا الموضوع يعتمد عليها وعلى مصداقيتها وعلى قدرتها.
قواتنا المسلحة تحقق الإنجاز تلو الآخر في كل يوم، وهي تسحق الإرهابيين وتطهر المناطق التي دنّسوها
وتابع الرئيس الأسد: السيدات والسادة بالرغم من مرور أكثر من ست سنوات على هذه الحرب الشرسة على سورية، وبالرغم من أن الجيش السوري ومعه القوات الرديفة والحلفاء، يخوضون أعتى المعارك في مواجهة أعتى التنظيمات الإرهابية المدعومة من أقوى الدول وأغناها في العالم. فإن هذه القوات، قواتنا المسلحة تحقق الإنجاز تلو الآخر في كل يوم، وهي تسحق الإرهابيين وتطهر المناطق التي دنّسوها وما تزال مستمرة في ذلك.
وأكد الرئيس الأسد: أن ما قدّمه بواسل الجيش العربي السوري والقوات المسلحة ومعها القوات الرديفة والحليفة من بطولات وتضحيات خلال السنوات الماضية للحرب، يمثل إنموذجاً في تاريخ الحروب عبر التاريخ، وما قدموه من تضحيات يشكل منارة للأجيال القادمة في معنى التمسك بالكرامة الوطنية، وفي معنى حب الوطن والتضحية في سبيله وفي سبيل الشعب.
وقال الرئيس الأسد: الحقيقة أنّ هذه الإنجازات هي التي كانت الرافعة الحقيقية لمسيرة المصالحات الوطنية التي بدأت منذ ثلاث سنوات وهي التي كانت الدافع لكثير من المترددين للعودة إلى حضن الوطن. أي بكلام واضح وبعيد عن المجاملات، الإنجازات العسكرية لجيشنا ولقواتنا المسلحة، كانت هي الحرب وكانت هي السياسة لولا صمود الشعب السوري وكلٌ في موقعه، الطالب، المعلم، العامل، الموظف، الدبلوماسي، المهني، إلخ.. من شرائح المجتمع السوري، لما كان من الممكن أن تصمد سورية حتى هذا اليوم.
وأضاف الرئيس الأسد: أما الأشقاء والأصدقاء، فكانوا جزءاً مهما من هذه الإنجازات. حزب الله الغني عن التعريف لم يكن مقاتلوه أقل حرصاً على التراب السوري من أشقائهم في البطولة، مقاتلي القوات المسلحة السورية، ونحن عندما نتحدث عنهم، نتحدث بفخر كفخرنا تماماً بأي مقاتل سوري دافع عن وطنه. كذلك الأمر بالنسبة لشهدائهم ولجرحاهم وعائلاتهم البطلة. أما إيران فلم تتوان عن الوقوف معنا منذ اليوم الأول، قدمت السلاح والعتاد بدون حدود، أرسلت المستشارين العسكريين والضباط لمساعدتنا في التخطيط، دعمتنا اقتصادياً في ظروف مررنا بها كانت صعبة جداً، خاضت معنا المعارك السياسية في كل المحافل الدولية، وأثبتت بكل موضوعية أنها سيدة قرارها وأنها وفيّة لمبادئها وأمينة موثوقة على العهود التي تقطعها. كذلك روسيا، استخدمت الفيتو مرات عديدة، في سابقة في سياساتها، دفاعاً عن وحدة سورية وسيادة سورية ودفاعاً عن ميثاق الأمم المتحدة وعن القانون الدولي، كذلك فعلت الصين. ولم تتوقف روسيا عن دعم الجيش السوري وإمداده بكل ما يحتاجه من أجل القيام بمهامه في مكافحة الإرهاب، ولاحقاً أرسلت قواتها الجوية وشاركت بشكل مباشر في مكافحة الإرهاب وقدمت الشهداء على تراب سورية.
وتابع الرئيس الأسد: فإذا كانت الإنجازات الميدانية قد تحققت بعزيمة أبطال القوات المسلحة والجيش والقوات الرديفة، فإن دعم أصدقائنا المباشر لنا، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، جعل إمكانية التقدم الميداني أكبر وخسائر وأعباء الحرب أقل وبالتالي فهم اليوم شركاؤنا الفعليون في تلك الإنجازات نحو دحر الإرهاب وإعادة الأمن والاستقرار لسورية. وإذ يكتب الشعب العربي السوري ومعه القوات المسلحة اليوم، تاريخاً جديداً لسورية وللمنطقة بشكل عام، فهناك فصولٌ ستكتب عن أصدقائنا، عن إيران والإمام خامنئي، وعن روسيا والرئيس بوتين، عن حزب الله والسيد حسن نصر الله، ستُكتب هذه الفصول عن تمسكهم بمبادئهم، عن أخلاقهم، عن مناقبيتهم لتقرأها الأجيال المقبلة.
الاستمرار في مكافحة وسحق الإرهابيين في كل مكان والاستمرار بالمصالحات الوطنية
وأضاف الرئيس الأسد: ماهي التوجهات المستقبلية للسياسة السورية؟ نبدأ من القاعدة التقليدية والكلاسيكية التي كررناها منذ الأيام الأولى للحرب والتي ترتكز على نقطتين، الأولى، هي الاستمرار في مكافحة وسحق الإرهابيين في كل مكان بالتعاون مع القوات الرديفة وبالتعاون مع الأصدقاءـ أما النقطة الثانية، فهي الاستمرار بالمصالحات الوطنية في كل مكان، حيث أثبتت فعاليتها بأشكالها المختلفة وهي بالنسبة لنا فرصة لحقن الدماء ولإعادة البناء. الامر الثاني هو زيادة التواصل الخارجي.
وقال الرئيس الأسد: الحقيقة أن الرأي العام العالمي والغربي خصوصاً تغير كثيراً، وأنتم في وزارة الخارجية من أكثر المتابعين لهذه التفاصيل. تغيّر بشكل خاص لأنهم اكتشفوا بعد سنوات بأن الرواية غير محبوكة بشكل صحيح، السبع سنوات يتم تداول نفس الكذبة وهي أن الدولة تقتل الشعب، والعالم مع الشعب ضد هذه الدولة، وهذه الدولة تصمد، هذا كلام لم يعد منطقياً حتى في روايات الأطفال لا يمكن أن تنجح هذه الرواية. اكتشفوا بأن مسؤوليهم يكذبون وأن الإعلام التقليدي لديهم أيضاً يشارك المسؤولين ودولتهم هذه الأكاذيب. اليوم اكتشفوا بأن الرواية غير صحيحة، ولكن بالمقابل ليس بالضرورة أن يعرفوا ما هي الرواية الحقيقية، وهذا الامر يأتي في صلب عمل الدبلوماسية. المطلوب الآن بعد أن فُتحت أبواب الحقيقة أن نضعها أمام الرأي العام العالمي وخاصة الغربي.
وتابع الرئيس الأسد: الأمر الثالث هو التسويق للاقتصاد، ومؤتمركم هذا يتزامن مع معرض دمشق الدولي الذي يعطي إشارة كبيرة في هذا الاتجاه. التسويق للفرص الاقتصادية التي أصبحت متاحة مؤخراً أو التي من الممكن أن تكون متاحة في المستقبل القريب، دعوني أقل أن الاقتصاد السوري دخل في مرحلة التعافي، ولو بشكل بطيء جداً، ولكن بشكل ثابت بالرغم من أننا محاصرون، إن لم نقل بشكل كامل فهو شبه كامل، وهذا ايضاً من مهام الدبلوماسية السورية.الأمر الرابع وهي نقطة مهمة، علينا أن نتوجّه سياسياً واقتصادياً وثقافياً، شرقاً، وهنا كلمة شرقاً بالمعنى السياسي، والجغرافي في جزء منها.
وأضاف الرئيس الأسد: هذا الشرق اليوم، من دون تحديد الدول، وأنتم تعرفونها كدبلوماسيين، يمتلك كل مقومات التطور، لم يعد الشرق كما كان يعتبر في الماضي عالماً ثانياً، أصبح عالماً أول بكل ما للكلمة من معنى، على الأقل بالنسبة لاحتياجاتنا كدول نامية، ليس بالضرورة أن نبحث عن آخر ما توصّل اليه العلم، لكن بالحاجات الأساسية، بكل تأكيد، الشرق لديه كل المقومات والمتطلبات التي نحتاجها. فإذاً هذا الشرق لديه المقومات العلمية والاقتصادية، لديه المقومات الحضارية، هو يتعامل معنا بندية وباحترام، لا توجد املاءات، لا يوجد غرور، لا توجد فوقية، كل هذه الأشياء يفتقدها الغرب فعلياً، هذا الغرب لم يقدم لنا شيئاً حتى في أحسن الأوقات، حتى أبسط الأشياء كالبعثات العلمية، عندما يشعر الغرب بأن هذا الاختصاص قد يكون له تأثير كبير على التطوير في سورية فإنه يمنع علينا ادخال الطلاب السوريين في هذه الاختصاصات. فإذاً علينا ألا نعوّل على الغرب، وأنا أتحدث عن تجربة عمرها أكثر من أربعة عقود مع هذا الغرب، على الأقل منذ حرب تشرين عام 1973.
وأشار الرئيس الأسد إلى أن الغرب مصاب اليوم بجنون العظمة، فإذا تحدث عن المجتمع الدولي، فالمجتمع الدولي هو الغرب، وباقي العالم ربما يكون بالنسبة لهم قطعاناً من الماشية، لا يوجد مجتمع، إذا قطعوا العلاقات فهم يعتقدون بأنهم قطعوا الأوكسجين عنا، واذا أغلقوا السفارات يقولون أن هذا البلد معزول حتى لو كانت لدينا علاقات مع عشرات الدول الأخرى، فنحن بلد معزول، كم سفير موجود الآن في هذه القاعة وموجود في دول أخرى، وكم سفير من دول أخرى موجود لدينا في سورية. نحن لسنا في حالة عزلة كما يعتقدون ولكن هذه الحالة من الغرور هي التي تجعلهم يفكرون بهذه الطريقة، ومؤخراً بدأنا نسمع عن امكانية فتح سفارات لبعض الدول الغربية التي ناصبت سورية العداء ووقفت مع الارهابيين في سورية ، البعض يقول أنها ستفتح سفارات مقابل التعاون الأمني، أو أننا نحن لا نقبل بالتعاون الأمني الا مقابل فتح السفارات، مع اننا لم نُسأل اذا كنا نقبل بفتح السفارات أم لا .
وتابع الرئيس الأسد: إن الحديث يدل وكأننا ننتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، وكأننا نجلس على قارعة الطريق وننتظر يوم الفرج لكي تفتح السفارات الأجنبية أو واحدة منها على الأقل، ربما نشعر بذاتنا، ربما نشعر بشرعيتنا التي افتقدناها بغيابهم ، ربما تصل الأمور الى أكثر من ذلك، ونشعر بالشرف والكرامة الوطنية، عندما يتم افتتاح السفارات في سورية، هكذا يفكرون. الحقيقة لم نطرح هذا الموضوع، لم نقل في يوم من الأيام أننا نقبل بتعاون أمني مقابل فتح سفارات، كنا نقول أنه لا يمكن ان يكون هناك أي علاقة، بما فيها الأمنية، الا عندما يكون هناك غطاء سياسي، والغطاء السياسي هو علاقة سياسية سليمة، وهذا لا يمكن ان يتم طالما هذه الدول تدعم الارهاب، لذلك سنكون واضحين: لن يكون هناك تعاون أمني ولا فتح سفارات ولا حتى دور لبعض الدول التي بدأت مؤخراً تتحدث عن أنها تسعى إلى دور في حل المشكلة في سورية، الا عندما يقوموا بشكل واضح وصريح ولا لبس فيه بقطع علاقتهم مع الارهاب والارهابيين، عندها سيمكن الحديث عن فتح السفارات .
وتابع الرئيس الأسد: حماقة الغرب هذه ليست جديدة. أتذكر دائماً موضوع الانشقاقات، وأنا لم اتحدث بهذا الموضوع في خطاباتي ولا مرة، سُئلت عنه في احدى المقابلات وأجبت، وبما أنها أصبحت من التاريخ المنسي، فمن المفيد أن نعيد التذكير بها.. كنا نقول بأنها لا تهمنا، الحقيقة هي تهمنا كثيراً، هناك عشرات، ربما المئات، إذا أرادوا أن يقولوا المئات لا يهم، من الأشخاص اللاوطنيين الذين يعملون لصالح جهات أخرى موجودين داخل الدولة في مفاصل مختلفة، ونحن لا نعرف عنهم شيئاً، لا نعرف من هو الوطني، ومن هو غير الوطني، لا يوجد لدينا أي مؤشر على ذلك. تخيلوا لو أن هؤلاء الأشخاص اليوم يتواجدون في قلب المؤسسات خلال هذه السنوات ويلعبون دور الطابور الخامس ويتآمرون لمصلحة تلك الدول، كيف كان سيكون الوضع، بكل تأكيد سيكون الوضع سيئاً، فكيف سنقول لهم اخرجوا من الدولة، أنتم أشخاص غير موثوقين وغير وطنيين، اتركوا الدولة لكي نعمل بشكل سليم.
وأضاف الرئيس الأسد: فقام هذا المسؤول الغربي بحماقته، أو المسؤولون الغربيون بحماقتهم ليس فقط بإخراج هؤلاء الأشخاص من الدولة ولكن بإخراجهم من كل الوطن، أي عملية تنظيف ليس لها مثيل، لم نكن نحن قادرين على القيام بها. لذلك مهما كان هناك خلافات بين الأشخاص وبين الدول، دائما هناك نقاط تلاق، لذلك أستطيع أن اقول إن الغرب كان يدعم الانشقاقات ونحن ايضاً ندعم الانشقاقات بنفس الطريقة من جهة ثانية قام الغرب بمعاقبة روسيا وهم خسروا أكثر مما خسرت روسيا، بالنتيجة روسيا دولة كبيرة وعظمى وعوضت فوراً بعلاقاتها مع باقي الدول، فهي دولة باقتصاد متنوع وبمساحة جغرافية كبيرة وموارد طبيعية متنوعة وهائلة، وقد تمكن الانتاج المحلي من التعويض فوراّ، وهو الذي ربح بالمحصلة. بكل تأكيد الغرب يثبت دائماً، أو على الأقل خلال العشرين عاماً الماضية، نتيجة الغرور الذي أصابه أن لديه قدرات كبيرة ولديه معلومات غزيرة ولكن لا توجد لديه الحكمة والمعرفة للاستفادة من هذه المعلومات، لذلك ينتقل من خطأ الى خطاً، وينتقل من مشكلة الى مشكلة، من ورطة الى ورطة، ويغطي نفسه بالأكاذيب.
وتابع الرئيس الأسد: على ما يبدو النظام السياسي الغربي لم يعد قادراً على انتاج رجال دولة، بكل تأكيد المجتمع الغربي مجتمع غني، ومتقدم بكل نواحي الحياة، لا ننكر هذه الحقيقة، وهو قادر على الإنتاج، ولكن النظام السياسي لا يسمح الا للذين يقومون بخدمة النخب السياسية أو المالية أو الاقتصادية أو غيرها من النخب بالوصول الى مراكز القيادة، لذلك نرى اليوم هذه النتائج.
وحدة الأراضي السورية هي من البديهيات غير القابلة للنقاش على الإطلاق… لن نسمح للأعداء والخصوم أو للإرهابيين، عبر أي إجراء بأن يحققوا بالسياسة ما عجزوا عن تحقيقه بالميدان وعبر الإرهاب
وقال الرئيس الأسد: ماهي الأسس التي تبنى عليها السياسة السورية، وخاصة في هذه المرحلة، مرحلة الحرب: أولاً: كل ما يرتبط بمصير سورية ومستقبل سورية، هو موضوع سوري مئة بالمئة، وليس 99 بالمئة، بل مئة بالمئة، حتى الأصدقاء يقولون هذا الكلام بشكل واضح، النصائح نقبلها من أي طرف، ولكن عندما نأتي إلى القرار فلن يكون سوى قرار سوري.
ثانياً: وحدة الأراضي السورية هي من البديهيات غير القابلة للنقاش على الإطلاق.
ثالثاً: هوية سورية، الهوية الوطنية موجودة، ولكن جوهر هذه الهوية السورية هو العروبة بمعناها الحضاري الجامع لكل أبناء الوطن ولكل أطياف المجتمع.
النقطة الرابعة: لن نسمح للأعداء والخصوم أو للإرهابيين، عبر أي إجراء بأن يحققوا بالسياسة ما عجزوا عن تحقيقه بالميدان وعبر الإرهاب.
النقطة الأخيرة: الحرب لن تغير شيئاً من مبادئنا، ما زالت قضية فلسطين جوهرية بالنسبة لنا، ما زالت “إسرائيل” عدواً يحتل أراضينا، وما زلنا داعمين لكل مقاومة في المنطقة طالما أن هذه المقاومة حقيقية وليست مزيفة كما هو حال بعض المقاومات.
وأضاف الرئيس الأسد: أيتها السيدات أيها السادة في هذه الحرب التي نخوضها على مختلف الجبهات والقطاعات لدحر المشروع الإرهابي ولإعادة الأمن والأمان إلى سورية علينا أن ندرك أن استمرار هذه الحرب مرتبط بجانب منه بخوف الأعداء والخصوم من أن تخرج سورية وتنهض بعد هذه الحرب أقوى بكثير مما كانت عليه قبل الحرب, لذلك علينا أن نعمل منذ الآن وبشكل جدي على بناء سورية المستقبل على أسس متينة, سورية الحرة, القوية المستقلة, حيث لا مكان للإرهاب, لا مكان للتطرف, لا مكان للعملاء والخونة, وأن ندرك أننا عندما نقوم بذلك فنحن نكون أمناء على قيم سورية وقيم السوريين, على تقاليد سورية وتقاليد السوريين, على مصالح سورية ومصالح السوريين.
وختم الرئيس الأسد كلمته بالقول: أتمنى لكم كل التوفيق في مهامكم وفي مؤتمركم والسلام عليكم.
ثم عقدت جلسة حوار جرى خلالها بحث سبل تطوير الأداء والعمل الدبلوماسي من خلال وضع آليات واضحة للتطوير الإداري ولمعايير الترشيح واعتماد الخطط الكفيلة بتأهيل الكوادر وأهمية توضيح ومأسسة العلاقة بين السفارات والقنصليات في الخارج من جهة و وزارات الدولة من جهة ثانية إذ أن عمل وزارة الخارجية في المحصلة لا يقتصر على الجانب السياسي بل يتعداه إلى جوانب عدة بينها الجانب الاقتصادي والثقافي.
وأشار الرئيس الأسد إلى ضرورة إعادة النظر في خريطة علاقات سورية مع دول العالم، لافتاً إلى أن التوجه الاستراتيجي المستقبلي لسورية يجب أن يكون باتجاه الشرق وهنا تكمن أهمية دور الدبلوماسيين من خلال الاطلاع الدائم على أولويات الاحتياجات السورية ومعرفة مكامن قوة الدول التي يتواجدون فيها بما يحقق الفائدة المرجوة على جميع الأصعدة الاقتصادية والعلمية والثقافية.